إذا لم تكن حملة الصين ضد الأويغور إبادة جماعية، فماذا تكون؟
إعداد عمر قانات / ترجمة رضوى عادل
إذا كان رد العالم الوحيد على الإبادة الجماعية هو الإنخراط في نقاش لا نهاية له حول المصطلح، فإن عبارة “لن تتكرر أبداً” حول المحرقة اليهودية هي حقاً وعد فارغ.
عندما رأيت خبراً في ملف الأخبار الخاص بي في الأسبوع الماضي عن 600،000 من الأويغور، كنت أعرف أنه سيكون من الصعب قراءته، وقد كنت على حق.
وقدمت وثيقة داخلية للحكومة الصينية أعدها باحثو جامعة نانكاي هذا الرقم الرائج لعدد الأويغور الذين أخذتهم الحكومة من وطننا تركستان الشرقية وأجبرتهم على العمل في المدن في جميع أنحاء الصين. ولكن الهدف الحقيقي كان الحد من الكثافة السكانية للأويغور من أجل إستيعابهم بشكل أفضل.
أكد تقرير أدريان زينز الرائد حول خطة الكثافة السكانية ما أعرفه عن سياسة الحكومة – إنها حرب شاملة، كما كتبت لصحيفة الدبلوماسي the Diplomat في عام 2018. لكنني لم أكن مستعداً للتأثير العاطفي الذي أحدثته علي، ومن الواضح أن الدولة الصينية عازمة على ما يعادل ما بعد الحداثة من سحق عظامنا وتشتيتها في جميع أنحاء الأرض.
جلبت السنوات الأربع الماضية إكتشافاً مرعباً تلو الآخر حول سياسة “إضرب أولاً” التي تم إطلاقها بشكل جدي في عام 2017. وقد بُنيت معسكرات الإعتقال العرقية التعسفية على نطاق واسع في جميع أنحاء وطننا. ومن بين الأدوات الأخرى للإرهاب الصامت التي تستخدم ضد شعبي: المراقبة الفائقة التقنية، والإنفصال القسري للأسرة، وبرامج العمل القسري، والتعقيم القسري، والأحكام بالسجن لمدد طويلة للمثقفين.
وفي فبراير، أكد تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على مدى أشهر ما سمعه الأويغور بالفعل من حفنة من الناجين: روايات مروعة عن الإغتصاب المنهجي. وقالت إحدى الناجينيات لبي بي سي: “هدفهم هو تدمير الجميع”.
وكان هناك دليل على هذه النية يمكن رؤيته حتى قبل تسريب نانكاي. وانتشرت روايات شهود العيان وأدلة الفيديو عن الأويغور الذين تم نقلهم على دفعات عبر الصين طوال عام 2020. في فبراير من ذلك العام، كما كانت بقية الصين في حالة إغلاق بسبب وباء كوفيد-19، نقلت الحكومة الصينية الأويغور في جميع أنحاء البلاد للعمل في المصانع. في يوليو2020، طلبت هيئة الإذاعة البريطانية من السفير الصيني السابق لدى المملكة المتحدة ليو شياو مينغ شرح لقطات لطائرة بدون طيار من عام 2019 تظهر مئات الأويغور الذين كانوا يخضعون لحراسة مشددة ومعصوبي الأعين حليقي الرأس الذين اصطفوا ليتم نقلهم في القطارات. فأجاب دون خجل: ” ننقل السجناء أحياناً، وهذا يحصل في أي بلد”.
لم يذكر ليو أنه لا تقوم كل دولة بنقل مئات الآلاف من الأشخاص قسراً من منازلهم ومجتمعاتهم، وأنه لم تضع كل دولة ملايين المواطنين في حالات مختلفة من الأسر الوحشي والعمل القسري.
بعد قرار وزارة الخارجية الأمريكية في 19 يناير من هذا العام، ناقش النقاد والمشككون ما إذا كان هذا الوضع يشكل إبادة جماعية. وقد جادل بعض الأشخاص بأنه على الرغم من أن الصين ترتكب على ما يبدو بعض الفظائع المنصوص عليها في إتفاقية الإبادة الجماعية، فلا يوجد حتى الآن دليل واضح يثبت النية، كما هو مطلوب لمثل هذا القرار.
ولا يوافق على ذلك فريق من 50 خبيراً مستقلاً. ويخلص تقريرهم الجديد، “الإبادة الجماعية للأويغور: دراسة لإنتهاكات الصين لإتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948″، إلى أن النية يمكن إستنتاجها من مجموعة من الحقائق الموضوعية التي يمكن أن تُنسب إلى الدولة. وفي هذه الحالة، تكون الأدلة وافية، بما في ذلك البيانات الرسمية، والخطة العامة، وسياسة الدولة وقوانينها، ونمط السلوك، والأفعال المدمرة المتكررة، التي لها تسلسل منطقي ونتيجة منطقية.
ويخلص التقرير إلى أن مجمل هذه السياسات والأفعال يرقى في الواقع إلى “قصد تدمير الأويغور كشعب، كلياً أو جزئياً، على هذا النحو.
تأتي لغة غير إنسانية للإشارة إلى الأويغور من أعلى المستويات، والتي تشهد عليها في وثائق حكومية مسربة، مثل صحيفة نيويورك تايمز عندما نشرت “أوراق شينجيانغ”. وتستشهد الوثائق الحكومية بوصف الرئيس الصيني شي جين بينغ الإسلام بـ “عدوى” تشبه الفيروس، وإن معالجة هذه العدوى تتطلب “فترة من التدخل للعلاج المؤلم”. وأضاف أن الحكومة يجب أن “لا تبدي أي رحمة على الإطلاق”.
وقد أطاعت السلطات المحلية. وذكر مسؤول صيني في محافظة كاشغر أن معاملة الأويغور يجب أن تكسر نسبهم، وتقطع جذورهم، وصلاتهم، وتحطم أصولهم.
إذا لم تكن هذه إبادة جماعية، فماذا تكون؟ لم أستطع النوم بعد أن علمت بتقرير نانكاي عن حجم عمليات الترحيل القسري للسكان. كانت الأفكار في رأسي واضحة: إن الوقت ينفذ منا.
إذا كان رد العالم الوحيد على الإبادة الجماعية هو الدخول في نقاش لا نهاية له من هذا المصطلح، وإذا كانت الإبادة الجماعية ليست سوى إبادة جماعية بمجرد أن تنتهي، فإن جملة “أبداً لن يتكرر مرة أخرى” هو وعد فارغ حقاً.
يواجه الأويغور تهديداً وجودياً لا يمكن تجاهله. ويجب على الدول والكيانات المتعددة الأطراف والقطاع الخاص والمجتمع المدني أن تتصرف على وجه السرعة قبل فوات الأوان. تحتاج دول مثل المملكة المتحدة إلى الموافقة على التشريعات المعلقة التي تنص على شروط التجارة على احترام حقوق العمال.
تحتاج الشركات إلى إنهاء أرباحها من سلاسل التوريد التي تعتمد على العمل القسري للأويغور. تحتاج الجامعات إلى التفكير جيداً قبل التعاون مع الصين عندما يكون المئات من علماء الأويغور قد اختفوا أو عانوا بالفعل من الموت أثناء الإحتجاز، وهو في حد ذاته جريمة ضد الإنسانية. ويتعين على الأمم المتحدة أن تعمل وفقا لميثاقها لدعم حقوق الإنسان، وعلى الدول أن تفي بإلتزاماتها الرسمية بموجب إتفاقية الإبادة الجماعية بمنع هذه الجريمة والمعاقبة عليها.
لا بد من العمل لجلب بعض الراحة إلى وطني، خشية أن يصبح الأويغور مهمشين في التاريخ. يشكو الناس من أن دورة الأخبار على مدار 24 ساعة تخلق ذكريات قصيرة، ولكن الذاكرة القصيرة هي امتياز لا يتمتع بها الأويغور مثلي. إن ذاكرتنا حادة من الفظائع الجارية، وتحاصرنا في الحاضر مدمرة وثقيلة لدرجة أننا نتساءل في بعض الأحيان عما إذا كنا نحلم بماضينا، وما إذا كان من الممكن أن نأمل في المستقبل. آمل أن يساعدنا العالم في العثور على ذلك الأمل.
(المصدر: تركستان تايمز)