مقالاتمقالات مختارة

إتحَافُ النُّجَبَاءِ بِعَشْرَةِ أحكامٍ مِنْ فِقْهِ التَّعَامُلِ مَعَ الوَبَاءِ

إتحَافُ النُّجَبَاءِ بِعَشْرَةِ أحكامٍ مِنْ فِقْهِ التَّعَامُلِ مَعَ الوَبَاءِ

بقلم الشيخ/ إحسان إبراهيم عاشور (مفتي خان يونس – فلسطين)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فلا يَسَعُنا أمَامَ ظُهُورِ وَبَاءِ كُورونا في كثيرٍ من البلاد، وخاصَّةً مَناطِقَ الْجِوار، إلا أنْ نُوَطِّنَ أنفُسَنا للرِّضا بقضاءِ اللهِ وقدَرِهِ؛ فلَنْ يُصيبَنا إلا ما كَتبَ اللهُ لنا، وما أصابَنا لم يَكُنْ لِيُخطِئَنا، وما أخطأنا لم يَكُن لِيُصيبَنا، وأنْ نُوقِنَ أنَّ الله لا يفعلُ بِنَا إلا خيراً، وإنْ كان ظاهرُه لَنا شَرَّاً؛ فإنَّ أمرَ الْمؤمن كُلَّهُ لَهُ خيرٌ، وليسَ ذلك لأحَدٍ إلا لِلمُؤمِنِ؛ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيراً لَهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ.
وقد أوجَبَ علينا دِينُنَا الخنيف في مثل هذا الْمَوطِنِ أن نأخُذَ بأقصىٰ الأسبابِ الْمَادِيَّةِ الْمُمكِنةِ لِدَفعِ الوَبَاءِ عنا، ومواجَهَتِهِ إنْ ظَهَرَ عندنا ـ لا قدَّرَ اللهُ ـ، وهذا لا يُنافي التَّوَكُّلَ على الله جَلَّ وعَلا؛ بل هو قَرينُهُ ومُلازِمُهُ، فنحن مأمورونَ بالتَّوكُّلِ على الله مع الأخْذِ بالأسباب، كما في حديث الأعرابي الذي جاء على ناقةٍ لَهُ، وسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ( أدَعُهَا وأتَوكَّلُ؟)، فقال له: ” اعْقِلْهَا وتَوَكَّلْ ” أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، وحَسَّنه الألباني؛ فإنَّ التوكُّلَ علىٰ اللهِ يَجِبُ أنْ يكونَ مَقرُوناً بِرَبْطِ النَّاقَةِ، الذي هو أخْذٌ بأسبابِ حِفْظِها، وسَلامَتِها، وعَدَمِ هُرُوبِها.

ومِنَ الأخْذِ بالأسباب، بعد التَّوكُّلِ على الله تعالى، وُجُوبُ التَّعَاطِي بإيجابِيَّةٍ وانْضِباطٍ مَعَ الأحكامِ الشَّرعِيَّة العَشَرَةِ التالِيَةِ:

( 1 ) يَجِبُ الالتزامُ التَّامُّ بالإرشادات الصِّحِّيَّةِ، والإجراءاتِ الاحتِرازية، التي تَصدُرُ عن اللجانِ الْمُختصَّةِ؛ لأجل الوقاية، والسَّلامة، والأخذِ بالأسبابِ؛ لِمَنْعِ ظُهور الوَباء، أو الْحَدِّ مِنِ انتِشارِهِ .
( 2 ) مَنْ ظَهَرَتْ عَلَيهِ أعراضٌ مَرَضِيَّةٌ تُشابِهُ أعراضَ هذا الوَباءِ، ولو كانت بسيطةً، وَجَبَ عَلَيهِ اجتنابُ الاحتكاكِ بأفرادِ أسرَتِهِ مَا أمْكَنَ، واعتزالُ الناسِ؛ خَشيةَ أنْ يكونَ مُصاباً، ولأنَّ مَناعَتَهُ حالَئذٍ تكونُ ضَعيفَةً؛ فهُوَ عُرضَةٌ للعَدوَىٰ لِنفسِهِ ولِغيرِهِ، وقد نهَىٰ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَريضَ عنْ مُخَالَطَةِ الأصِحَّاءِ؛ فقال: ” لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَىٰ مُصِحٍّ ” أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
( 3 ) يَجبُ علىٰ الْمُصَابينَ بأمراضٍ مُزْمِنَةٍ، أو مُعدِيَةٍ؛ كالإنفلونزا، وعلى كِبَارِ السِّنِّ، وضَعِيفِي الْمَناعَةِ، والأطفالِ الصِّغَارِ، تَركُ مُخالَطَةِ الناسِ قَدْرَ استِطاعَتِهِمْ؛ لأنَّهمْ أكثـَرُ عُرضَةً للإصابَةِ بالفايروس؛ لِضَعفِ مَنَاعَتِهِمْ التي هي حَجَرُ الأساسِ في التَّعَافي مِنهُ، ونَنْصَحُهُمْ بالصَّلاةِ في بُيُوتِهِمْ جَماعَةً مع أهلِيهِم؛ فَدَرءُ الْمَفاسِدِ مُقدَّمٌ علىٰ جَلْبِ الْمَصَالِحِ، ودِرْهَمُ وِقَايَةٍ خيَرٌ مِنْ قِنطَارِ عِلاجٍ.
( 4 ) وُجوبُ الأخْذِ بتعليماتِ وَزارَةِ الأوقافِ بشأنِ الْمَساجِدِ والصَّلَوَاتِ، والتعاطي معها بإيجابِيَّةٍ ومسؤولِيَّةٍ، وحَزمٍ وانضباطٍ؛ حيثُ إنَّ هذه القراراتِ تَصدُرُ عَنْ دِرَاسَةٍ ومُشَاوَرَةٍ، وتَدَبُّرٍ وَوَعي.
( 5 ) إنِ ارتَأتْ جِهَاتُ الاختِصاصِ وُجُوبَ إغلاقِ الأماكنِ العَامَّةِ، وَمَنعَ ارتيادِها، وحَظـْرَ التَّجَمُّعاتِ فيها، فلا مانعَ شَرعاً حِينَها مِنْ إغلاقِ الْمساجِدِ، والتَّوَقُّفِ مُؤقـَّتاً عَنْ إقامَةِ صَلاةِ الْجَمَاعَة فيها؛ تقديماً لِمَصلَحَةِ ضَروريِّ حِفظِ الأنفُسِ عَلىٰ حَاجِيِّ حِفظِ الدِّينِ بِصَلاةِ الْجَماعةِ، مَعَ مُراعَاةِ رَفْعِ الأذانِ كُلَّ وَقتٍ، ويَقولُ الْمُؤذِّنُ فِيهِ: ( صَلُّوا في بُيُوتِكُمْ )، وأنْ تُقامَ الصَّلَوَاتُ في الْمَساجَدِ بالإمَامِ والْمؤذِّنِ وَحدَهُمَا؛ مُحَافَظَةً علىٰ بَقاءِ شَعيرَةِ صَلاةِ الْجَماعَةِ قائِمَةً، وأما الْجُمُعَةُ فتـُصَلَّىٰ في البُيوتِ ظُهراً، حتى لو كانت جماعةً.
( 6 ) مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ بِسبَبِ ذلك، وكانَ مُحَافِظَاً عَلَيْها، فَلَهُ أجرُهَا كَامِلاً؛ لأنَّهُ مَعذورٌ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً ” أخرجه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه .
( 7 ) يَحرُمُ على كُلِّ أحَدٍ أن يُعرقِلَ إجراءاتِ الْجِهاتِ الْمُختصَّةِ في إنجازِ مَهَامِّها، وخاصةً الْحَجْرَ الصِّحِّيَّ، أو مَنعَ الْخُروجِ مِنَ البُيوتِ؛ سواءً بالرَّفضِ والْمُمَانعةِ، أو بالتَّظَاهُرِ والشَّغَبِ، أو بالْخُرُوجِ مِنَ البَيتِ لِغَيرِ حاجَةٍ، أو بالتـَّهويلِ، أو التَّثبيط، أو الْمُزاوَدَةِ، أو نَشرِ الهَلَعِ والْخَوفِ.
( 8 ) يَحرُمُ نَشرُ الأنبَاءِ دونَ تَثبُّتٍ، وإيَّاكَ إيَّاكَ أنْ تنقُلَ عن وَكَالَةِ أنباءِ ( بِيقُولوا )؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ” بِئسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ: زَعَمُوا ” أخرجه أبو داود عن حذيفة رضي الله عنه، واحذَر مِنَ الفَبْرَكاتِ الإعلامِيَّةِ؛ لأنَّها كَذِبٌ، وتزويرٌ، وضَلالٌ.
( 9 ) يَحرُمُ احتكارُ السِّلَعِ، ورَفعُ أسعارِ الأدوية، والْمُعَقِّمات، والأغذية، وسائرِ مَا تَشْتَدُّ حاجَةُ الناسِ إلَيهِ.
(10) إنَّ الاستغفارَ، والذِّكرَ، والصَّدَقةَ، والدُّعاءَ، مِنْ أعظَمِ أسبابِ الوقايةِ مِنَ البَلاءِ؛ فالاستغفارُ يَدفعُ البَوارَ، والأذكارُ والأورادُ حِصنٌ مَنِيعٌ مِنْ كُلِّ أمرٍ شَنِيعٍ، والصَّدَقةُ ترفعُ البَلاءَ، ولا يَرُدُّ القَدَرَ إلا الدُّعَاءُ.
وصلَّىٰ الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، وسلََّّم

كَتَبَهُ وحَرَّرَهُ
الشيخ/ إحسان إبراهيم عاشور
مفتي محافظة خان يونس
شعبان 1441 هجرية
مارس 2020 ميلادية

 

(المصدر: هيئة علماء فلسطين في الخارج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى