مقالاتمقالات مختارة

أين علماؤكم؟

أين علماؤكم؟

بقلم د. عادل الحمد

رفع الله قدر العلماء وأعلى من شأنهم فقال سبحانه: ]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[ [المجادلة: 11]، وأثنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على العلماء وبين منزلتهم وفضلهم في أحاديث كثيرة، منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)). رواه الترمذي.

ولكن أين العلماء اليوم؟ ولماذا نبحث عنهم؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتأمل هذه القصة التي رواها لنا البخاري ومسلم وأهل السنن والمسانيد عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ يَقُولُ: ” مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ ” وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا. وَأَخْرَجَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ مِنْ كُمِّهِ فَقَالَ: ” إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَتْهَا نِسَاؤُهُمْ“.

ما الذي أراده معاوية رضي الله عنه بهذه الخطبة؟

أولاُ: أراد أن يبين للناس ثبات حكم صيام يوم عاشوراء وأنه مستحب، والإنكار على من أوجبه.

ثانيا: أراد الإنكار على لبس النساء للشعر المستعار (الباروكة) وبيان حرمة ذلك، وأنها كانت سببا لهلاك بني إسرائيل.

لكنه استفتح خطبته السؤال عن العلماء، فلماذا سأل عنهم؟

سأل عنهم مستنكراً إهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره. كما ذكره: (عياض والنووي وابن الملقن).

فقد أدرك معاوية أن من واجبات العلماء إنكار المنكر إذا ظهر في المجتمع، فاستنكر سكوتهم عن هذا المنكر.

سأل عنهم ليؤيدوا قوله، فينزجر عوام الناس عن فعل هذا المنكر. كما ذكره: (عياض وابن الملقن والقسطلاني).

لأن معاوية قد أدرك أن عوام المسلمين ينقادون للعلماء أكثر من انقيادهم للحكام.

سأل عنهم لأنهم هم الذين يلزمهم الإنكار على من استباح ما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كما ذكره: (ابن الملقن).

فمعاوية رضي الله عنه يعلم أن من واجب العلماء منع الناس من الوقوع فيما نهاهم عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو ترك ما أمرهم به.

سأل عنهم معاوية لأنه خاف أن تهلك الأمة بانتشار هذا المنكر، كما هلكت بنو إسرائيل من قبل، فأراد من العلماء أن يؤازروه في تغيير المنكر. كما ذكره: (ابن عبدالبر).

فأراد معاوية من العلماء أن يزاولوا مهنتهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفاظا على المجتمع من الهلاك.

سأل عنهم معاوية لأن من واجب الخلفاء وسائر ولاة الأمر الاعتناء بإنكار المنكر وإشاعة إزالته وتوبيخ من أهمل إنكاره ممن توجه ذلك له. كما ذكره: (النووي).

فالسلطان إنما يوبخ العالم إذا قصر العالم في إنكار المنكر، وليس العكس.

فأين علماؤنا اليوم من هذه المنكرات التي شاعت في بلاد المسلمين؟

إن العلماء في كل زمان ينقسمون إلى أقسام؛

فمنهم: من يزين للسلطان فعل المنكر، ويضفي الشرعية على أفعاله المنكرة الشنيعة، ويضل الناس بذلك. وما قصة ابن أبي دؤاد مع الخليفة العباسي إلا مثال من الأمثلة.

ومنهم: من يفضل الانشغال بالعلم والانزواء بعيدا عن واقع المجتمع الذي يعيش فيه، فلا هو ينكر المنكر، ولا هو يأمر بالمعروف، ولا هو يحث على ذلك. وأسوؤهم حالا من يثبط غيره عن القيام بما أوجب الله عليه من العلم وبيان الحق.

ومنهم: العالم الرباني الذي يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم.

وهذا الصنف الأخير هو الذي يبتلى على يد السلاطين غالبا، فيضرب ويهان، كما ضرب الإمام مالك حتى خلعت يده، وأهين بين الناس.

ويسجن ويعذب في سجنه، كما سجن الإمام أحمد وجلد حتى أغمي عليه.

ويطرد وينفى من بلده فيغترب حتى الموت، كما طرد الإمام البخاري ومات منفيا في الغربة.

ويلاحق من مكان إلى آخر، فيعيش متخفيا حتى الموت، كما طورد سفيان الثوري ومات متخفيًا.

ويتآمر عليه علماء السوء ويحرضون عليه الحكام، كما تآمروا على ابن تيمية وسجنوه.

ويحاصر ويمنع من السفر فيهرب متخفيا من بلده، كما فعل محمد رشيد رضا.

ويكبل بالحديد حتى الموت، وليعلم الناس أن ناساً ماتوا في حديدهم من أجل هذا الدين، كما حصل مع محمد بن نوح صاحب الإمام أحمد.

ويمنع من التحديث في المساجد، ومن الخطابة ووعظ الناس، بل ومن الكتابة والتأليف والتغريد، كما فُعل بعلماء هذا الزمان.

وها نحن على الأثر. قالها ابن القيم رحمه الله.

فأين علماؤنا؟ وأين معاوية؟

رحم الله علماء المسلمين الصادقين، وفرج كربتهم، وأعلى منزلتهم، وأهلك عدوهم.

ورضي الله عن خال المؤمنين، وكاتب الوحي الأمين، معاوية بن أبي سفيان الأموي.

(المصدر: موقع المنهل)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى