مقالاتمقالات مختارة

أوزيل والأويغور.. أن تكون مسلمًا!!

أوزيل والأويغور.. أن تكون مسلمًا!!

بقلم جمال الهواري

التغريدة التي كتبها لاعب كرة القدم لنادي الأرسنال الإنجليزي، الألماني الجنسية، التركي الأصل، المسلم الديانة “مسعود أوزيل” يوم الجمعة الثالث عشر من ديسمبر وأشار فيها إلى الأهوال التي تعانيها أقلية الأويغور المسلمة في “تركستان الشرقية” والواقعة قسرًا داخل حدود الصين تحت مسمى “شينجيانغ” أي الحدود الجديدة منذ فرض سيطرتها عليه وضمه لأراضيها للمرة الأخيرة في عام 1949، لم تكن مجرد تغريدة بقدر ما كانت إقرار وتبيان وإدانة لأمر واقع ومعاناة مستمرة ومتجددة منذ عدة قرون لشعب مسلم كان ولا يزال عرقه ولغته وديانته ومنطقة تواجده الجغرافية وما تحويه من مقدرات وثروات بمثابة أضلاع المربع المسببة لتلك المعاناة، بالتزامن مع مواقف غالبية الدول الإسلامية المتخاذلة حول قضايا الأمة وحقوق الأقليات المسلمة في شتى بقاع الأرض، ويدفع إلى الواجهة من جديد تساؤلات عدة وفي منتهى الجدية حول مدى تأثير الخلفية الدينية في ظل عالم يحركه الإقتصاد وتتحكم فيه المصالح وتسحق وتزاح إلى الوراء بعيدًا وبلا رحمة أي شعارات تنادي بالحريات بأنواعها وحقوق الإنسان بشتى صورها إذا تعارضت مع تلك المصالح وأن تكون مسلمًا فهذا يعني أن تتضاعف تلك الإحتمالات وتزداد تلك المخاطر؟

تعمدت أن أذكر أصول “مسعود أوزيل” التركية وديانته الإسلامية لأن اللاعب نفسه ورغم إنه كان من الدعائم الأساسية في فوز ألمانيا بكأس العالم في البرازيل عام 2014 ونشاطه الملحوظ في الجوانب الإنسانية والأنشطة المجتمعية إلا أن هذا لم يحميه من التعرض لحملة شرسة بعدها بأربع سنوات فقط على المستوى الإعلامي والشعبي وحتى من بعض الأوساط السياسية الألمانية عندما أخفق منتخب كرة القدم ككل في تخطى دور المجموعات بكأس العالم في روسيا عام 2018، لكن غالبية الانتقادات وجهت لأوزيل دون غيره وجاء الرد من أوزيل بإعلانه اعتزال اللعب الدولي مع المنتخب الألماني وكل هذا كان بسبب صورة التقطها رفقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان-الذي لا يفوت الغرب أي فرصة لمعارضة سياساته وانتقاده سرًا وعلانية لتبنيه القضايا الإسلامية- واعتزازه الدائم بأصوله التركية وتأكيده على عدم تعارض هذا مع كونه ألماني فخور بوطنه وهو ما لم يشفع له عند كل من هاجموه وانتقدوه، ثم جاءت ردة الفعل العنيفة من الحكومة الصينية والمتعددة الأوجه ضد اللاعب من حذف اسمه وصورته من المحتوى الالكتروني ومنعه من اللعب ثم الامتناع عن إذاعة مباراة فريقه بالدوري الانجليزي داخل الصين، وسرعة ووضوح وحزم بيان النادي الإنجليزي في التبرؤ من تصريحات لاعبه أوزيل رغم بديهية أنها جاءت بناءً على قناعاته ورأيه الشخصي لتثبت أن السياسة مرتبطة بالرياضة حتى النخاع عبر بوابة الاقتصاد في كثير من الأحيان والتأثير بينهما وعبرهما متبادل وهو ما يقودنا إلى نقطة باتت واضحة ولا تقبل التشكيك فيها وهي أن الصمت كثيرًا ما يكون سيد الموقف على الصعيد الرسمي عالميًا عندما يتعلق الأمر بقانون أو تصرف أو هجوم عنصري ضد الإسلام والمسلمين فمن الصين وميانمار والهند وصولًا إلى الغرب في فرنسا وألمانيا وغيرهما لا يختلف الوضع كثيرًا، فالفارق ليس شاسعًا بين تجريد الفرد من بعض حقوقه على أساس ديني وبين تجريده من هويته أو حتى حياته لنفس الأسباب، ويبدو أن ماكينة العلمانية والحريات والحقوق وعدم التفرقة على أساس العرق واللون والدين يصيبها العطب بكثرة خلال العقود الأخيرة وبشكل خاص وملحوظ عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، بحيث باتت الدساتير والقوانين شيء وتطبيقها عمليًا على أرض الواقع شيء مغاير تمامًا عندما يكون الإسلام والمنتمين إليه هما محور الموضوع ومحل النقاش والحجة الجاهزة والقالب المعد سلفًا نحن بصدد مواجهة ومحاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي وهو تعريف محرف وغير صحيح بكافة المعايير الأكاديمي منها والسياسي والواقعي.

خلال إحدى المناظرات التي عقدتها جامعة أكسفورد البريطانية منذ عدة سنوات ساق الكاتب السياسي والإعلامي البريطاني”مهدي حسن” في معرض حديثه عن النظرة المسبقة وغير الصحيحة حول الإسلام كديانة ومحاولة ربطه بالإرهاب ما ورد في دراسة قام بها “روبيرت بايب” وهو أشهر متخصص في مجال الإرهاب بجامعة شيكاغو ودرس كل حالة إرهاب انتحاري بشكل فردي بين عامي 1980 و2005 وبلغ عددها 315 حالة وعلق قائلاً “هناك علاقة ضعيفة بين العمليات الإرهابية الانتحارية وأصول التعاليم الإسلامية أو أي دين آخر على العكس العامل المشترك بين جميع الهجمات الإرهابية الانتحارية تقريبًا هو هدف علماني واستراتيجي معين يتمحور حول إرغام الدول الديمقراطية والحديثة لكي تسحب قواتها العسكرية من الأراضي التي يعتبرها الإرهابيون أوطانهم”، وقامت مؤسسة “غالوب” بعمل أكبر تصويت واستطلاع رأي للمسلمين حول العالم شمل أكثر من 50 ألف مسلم في 35 دولة مختلفة وأظهرت النتائج أن 93% من المسلمين نبذوا أحداث 11 سبتمبر والهجمات الانتحارية ولوحظ تجاهل تلك النسبة والتركيز إعلاميًا وسياسيًا وحتى أكاديميًا في بعض الأحيان على ال7% الباقين والذين اتضح أن أسبابهم لتبرير العنف كانت سياسية وليست دينية وهذا يقودنا إلى لب المسألة وجوهرها ولماذا تجري تلك المحاولات المستميتة لربط الإسلام بالإرهاب وتتفق في هذا دول عريقة في الديمقراطية وأخرى غارقة في الديكتاتورية؟

يسوق البعض في معرض التبرير لما تقوم به الصين من انتهاكات تجاه شعب الأويغور أن هناك مسلمين من عرقيات أخرى لا تقوم الحكومة باستهدافهم وهو صحيح نظريًا ولكن مع الفارق فهم لا يطالبون بحقهم في الاستقلال ولا يتمسكون بالهوية بشقيها الديني والعرقي بل يتبعون تعليمات الحكومة الصينية حرفيًا في كل ما يؤمرون به ولا تحتوي أراضيهم على غالبية إنتاج الصين من النفط واليورانيوم وخصوبة الأراضي والمساحة التي تبلغ حوالي مليون و850 ألف كيلومتر مربع أي ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا وموقعها الجغرافي الاستراتيجي والهام الذي يتقاسم الحدود مع ثماني دول ونقطة هامة في طريق الحرير وغيرها من المقدرات والثروات التي تجعل منها كنز لا تريد الصين التخلي عنه تحت أي ظرف من الظروف.

ما حدث مع مسعود أوزيل كفرد وما يحدث مع الأويغور كشعب ومع غيرهم من الأقليات المسلمة شرقًا وغربًا يضعنا أمام حقيقة مفادها أن مهاجمة الإسلام وربطه بالإرهاب هي تجارة رابحة ومحركها ثلاثي الأوجه اقتصادي، سياسي، ديني، قد يختلف الترتيب وحدة التصرفات والقوانين من دولة لأخرى ومن كيان لغيره، فعلى سبيل المثال لا الحصر دافع الصين الأساسي هو اقتصادي في ظل نظام شيوعي الفكر رأسمالي التوجه تصب مصلحته في سحق هوية الأويغور العرقية والدينية، وفي الهند الحزب الحاكم هو حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي ضرب عرض الحائط بالأسس العلمانية للبلاد واستهدف بقانون الجنسية الجديد المسلمين بناءً على العرق والدين ليسترضي الغالبية الهندوسية، وفي الغرب يختلط هذا بهذاك وإن كان بدرجة أقل وضوحًا في محاولات مستمرة لفرض نموذج للإسلام شبيه بالنموذج الكنسي يقتصر فيه الدين على الروحانيات فقط ولا دخل له بالشؤون الحياتية والدنيوية المختلفة، وفي كل الأحوال يبدو أننا أمام حقبة جديدة فبعد أن كانت الحريات وحقوق الإنسان هي باب واسع لإنعاش الاقتصاد واحتواء الأنظمة الشمولية كالاتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي تغيرت الأوضاع ليكون التغاضي عنها وضعف رد الفعل على انتهاكاتها هو المدخل للتفاهم واقتسام الثروات ومناطق النفوذ بين القوى العالمية المؤثرة التي يستمد بعضها قوته من ترسيخ الديمقراطية وحفظ حقوق شعوبها داخليًا والبعض الآخر يستمدها من سحق إرادة الشعوب وتطويعها لتكون مجرد تروس في آلات لا تهدأ خدمة للدولة متمثلة في النظام الحاكم، ويتحرك مؤشر ردود الفعل الدولية صعودًا وهبوطًا حسب معدلات المنفعة والمصلحة ولا شيء غيرهما وهو ما يجعل ما يحدث مع أوزيل والأويغور منطقيًا ومتوقعًا فليس من مصلحة الكبار أن تكون مسلمًا.

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى