مقالاتمقالات مختارة

أهمية بيت المقدس في القرآن

بقلم د. مروح نصار

إنَّ شأنَ القدس شأنُ المسلمين كلِّهم بنصِّ كتابِ الله  ، لِكلِّ مسلمٍ حقّ في تلك الأرض المباركة، يقابِلُه واجبُ النُّصرة بكلِّ صوَرِه، فالحجّة تبقى قائمةً مع الحقِّ وأهله، وعلى الظلمِ وأهلِه إلى يوم الدين.

تعد فلسطين من أقدس البقاع الإسلامية وأعظمها مكانة لما فيها من مقدسات وخيرات متعددة لكونها أرض مباركة من رب العالمين, ولذا لما كانت فلسطين قطعة من العالم الإسلامي بل فلذة كبد العالم الإسلامي وستبقى قضية الأقصى حية في نفوس أتباع هذا الدين حيثما كانوا وكان لهذه المكانة أثرها في سرعة الفتح الإسلامي لفلسطين وإقامة المئات من الصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء فيها مما أدى إلى سرعة انتشار الإسلام وارتباط أهل فلسطين به عقيدة وسلوكاً ومنهجاً للحياة.

وسوف نعرض باختصار لأهمية بيت المقدس في القرآن والسنة وذلك كما يلي:

أولا: أهمية بيت المقدس في القرآن الكريم

بيت المقدس قُدِسَ في القرآن الكريم في الكثير من الآيات ,ونذكر هنا ببعض ما ورد في فضل بيت المقدس في كتاب رب العالمين ليكون حجة على كل متخاذلٍ أو متواطئٍ عن نصرته إلى يوم الدين ,ومن ذلك:

1- جمَع الله تعالى لِنَبيِّنا (صلى الله عليه وسلم) الأنبياءَ عامّة، وأنبياءَ بني إسرائيلَ خاصّة؛ حتى يُسلِّموا له بالنبوّة، وفاءً لما عاهدوا الله تعالى عليه، كما أشار إلى ذلك قولُه سبحانه: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ).

2- اقتَرَن المسجد الأقصى بالمسجدِ الحرام في قِبلَةِ التعبُّد للرحمن، وذلك في مسألةِ التوجُّه شطرَه في الصلاة، فقد كان المسجدُ الأقصى قبلةَ الأنبياء السابقين، فما مِن نبيٍّ إلاّ وأعلَنَ أنَّ دينَه الإسلام وإن اختَلَفتِ الشرائع بينهم، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) على سَُنَنِ الأنبياءِ قَبلَه:

قال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) .

3- وكان من اقتدائه بهم أن يتوجَّهَ إلى البيتِ المقدس في صلاتِه إتباعا لشرعِ الله. ظلَّ على ذلك مدَّةَ نبوَّتِه في مكّة، وهو يرَى الكعبةَ أمامَه، ويطمعُ في التوجُّه إليها، ولا يسَعُه ذلك لعدمِ شرعِ الله تعالى له، حتّى نزل قوله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ).

ولعلَّ في استقبالِ بيتِ المقدس أوّلاً ثمّ تحويله إلى بَيتِ الله الحَرَام تنبِيهَ المسلمِين إلى ما يجِبُ عليهم القِيامُ به نحوَ بيت المقدِس مِنَ الحِفاظِ عليه من أن يُدَنَّسَ برجسِ الوثنيّة أو المعاصِي السيّئة، ولِتبقَى القدس خالدةً في أذهان المسلمين حتى لا تُنسَى ما بقِيَ فيهم القرآن الكريم، وما بقيت قلوبهم عامرةً بالإيمان، وليبقَى هذا الحديثُ في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا مِن خلفِه.

4- لقد مكَّن الله تعالى للمسلمين فتحَ بيت المقدس في الصَّدرِ الأوّل من الإسلام، أقاموا فيه الصلاةَ، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وثبَت دين الله تعالى في الأرض، وما زال والحمدُ لله تعالى كذلك وإن قام الطغيان فيه وصال وجال ردحًا من الزمن، فإنّه لا بدَ زائل إذا أذِن الله تعالى بذَلك في قوله: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)

5- وصَف القرآنُ الكريم في كثيرٍ من آياتِه بيتَ المقدس ومسجدَه بالبَرَكة، وهي النّمَاء والزيادةُ في الخيرات، فقد بوركت خمس مرات في كتاب الله .

أ- قال سبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ).

ب- وقال تَعَالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ).

ج- وقال تَعالى: (وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا).

د-وفي قصّة سليمان عليه السّلام قال سبحانَه وتعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا).

هـ-وعند حديثِ القرآن عن رغَد عيشِ أهلِ سبَأ يقول سبحانه: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً)، وهي قُرى بيتِ المقدس.

6- قُدِسَ بيت المقدس في كتاب الله مرة واحدة, قال تعالى على لسانِ موسى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ).

7- وصَفَ القرآنُ أرضَها بالرَّبوَة ذاتِ الخُصوبَةِ، وهي أحسن ما يكون فيه النَّبات، وماءَها بالمعين الجاري، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، قال الضحاك وقتادة: “هو بيتُ المقدس“.

8- وفي قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) قال كثير من المفسرين: “هو مسجد بيتِ المقدس“.

9- وفي قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)، أجمَع المفسِّرون على أنَّ المسجدَ المذكورَ هنا هو المسجدُ الأقصى

10- اذا نعني عندما نتحدث عن القدس في القرآن الكريم ؟وهل هذا الفهم خاص ببيت المقدس فقط أم يشاركه به أماكن أخرى؟.

نعني بذلك ما ورد في القرآن الكريم من الآيات التي تتعلق ببيت المقدس إما بالنص أو بالمعنى الذي فسره به المفسرون.

11- هل نزل من القرآن الكريم ما يخص بيت المقدس؟ وهل يمكن أن نطلق على بيت المقدس أنه مكان نزول وحي؟.

تـنزل الوحي في بيت المقدس على مجموعة من الأنبياء موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام.

فقد تـنزل الوحي في سيناء على موسى عليه السلام.

وتـنزل الوحي في مكة والمدينة وبيت المقدس على نبينا محمد e.

فكان نزول خير مخلوقات السماء (الملائكة )على خير مخلوقات الأرض (الأنبياء).

في خير الأماكن(مكة، المدينة، بيت المقدس).

والدليل قوله تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (التين:1-3)

فقد جمع الله سبحانه في هذه الآية الديانات الثلاثة.

فالآية الأولى: (والتين والزيتون) تشير إلى ديانة عيسى عليه السلام.

والآية الثانية: (وطور سينين) تشير إلى ديانة موسى عليه السلام.

والآية الثالثة: (وهذا البلد الأمين) تشير إلى ديانة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

أما نزول القرآن في بيت المقدس فقد ذكر الطبري والقرطبي، وغيرهما أنه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء في بيت المقدس قوله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) الزخرف: الآية45.

نقل عن بن جرير وابن عباس وعبد الرحمن بن زيد وسعيد بن جبير وقتادة وغبرهم قالوا: “الله سبحانه أمر النبي محمد أن يسأل الرسل والأنبياء الذين جمعهم الله له ليلة الإسراء”.

وقيل: “أسأل من قبلك من أهل الكتاب” .

١٢وهناك الكثير من الآيات تحدثت عن بيت المقدس بالمعنى ومنها…(ادخلوا القرية) ..قال المفسرون القرية هنا المقصود بها بيت المقدس .

وغيرها الكثير والكثير …..

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى