مقالاتمقالات مختارة

أهل السنة والجماعة… هم الأمة

أهل السنة والجماعة… هم الأمة

بقلم عبد العزيز كحيل

في القبر لا يُسأل الميّت عن فِرقته، وإنما عن ربّه ودينه ونبيّه، ونحن المسلمون جميعا ربنا الله، وديننا الإسلام، ونبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا ما عليه أتباع التيارات الفكرية والمذاهب الفقهية، والمدارس التربوية والدعوية، ولا تخلو أي جماعة أو تيار من سلبيات لا تُخرجها من الملّة أبدا.

الفِرقة التي تدخل الجنة هي الأمة، أي: كل من رضي بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا.

الجنة يدخلها الناس بتوحيد الله (وهو ما عليهم جميع المسلمين دون استثناء)، وبالعمل الصالح فقط، لا بالانتماء لطائفة معينة من المسلمين.

الجنة عرضها السماوات والأرض، لماذا يضيّقها بعض الناس كي لا تتّسع بزعمهم إلا لقلّة قليلة من المسلمين؟ وقد تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشكّل المسلمون شطر أهل الجنة، مع أن عدد الكفار أكبر بكثير من عدد المسلمين منذ أن ظهر الدين الحق، وهذا يعني أن المقصود بـ “المسلمين الأمة” لا فرِقة منهم ولا طائفة ولا مجموعة مهما زعمت ذلك بالتألّي على الله، أو بالتأويل الفاسد.

إن كلّ المسلمين يشكلون الأمة، وهم المخاطبون بقول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[البقرة: 143]، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[المؤمنون: 52]، هم الفِرقة الناجية، لا يخرج منهم إلا من أخرج نفسه كالشيعة الذين اختاروا أن يكوَِنوا كيانا آخر غير أهل السنة والجماعة، ولو سألت أحدهم عن انتسابه سيقول: أنا شيعي، وما كان ليقول: أنا من أهل السنة والجماعة البتة، القاديانية والبهائية والدروز والنصيرية الذين اختاروا لأنفسهم ولم يخترْ لهم أحد انتماء آخر.

وحدة الأمة تقتضي الأخوة التي تبنى على المحبّة والتعاون وحسن الظنّ، وقبول الاختلاف في الآراء والأفكار والتوجّهات في إطار مرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد اختلف الصحابة والتابعون وتابِعوهم رضي الله عنهم في الفروع والجزئيات، فتأسّست ثروة فقهية وفكرية ضخمة، تنتفع بها الأجيال المتتالية. أفلا يسعنا ما وسعهم وهم الأجيال المشهود لهم بالخيرية؟

فالله تعالى لم يفرض علينا أن نكون نُسخا طبق الأصل لبعضنا، وإنما علّمنا أدب الاختلاف وأخلاق التعايش والتعاون، ومن لم يتخلّق بالأخلاق الرفيعة، ولم يتحلّ بالأدب الرفيع مع إخوانه المسلمين، وأخذ بالغلظة والشدّة وسوء الظنّ (يكاد يُخرج نفسه من زمرة الفائزين) وإن زعم بلسان حاله أنه من “أبناء الله وأحبّائه”، لأنّ تزكية أقلية من المسلمين، وحصر صفة النصر والنجاة فيهم دون سواهم من أتباع هذا الدين هو تقليد للفعل اليهودي الذي استنكره الله تعالى في كتابه.

ويقتضي المقام التذكير ببديهيات أصبحت محلّ خلاف – ونحن في زمن توضيح الواضحات – على رأسها أن اللحية والثوب القصير، وعود الأراك ليست معيارا للصلاح، ولا مقياسا لتصنيف المسلمين، ولا ميزانا لتحديد درجات البرّ والتقوى؛ لأن الجنة يدخلها صاحب القلب السليم (من خوارم التوحيد ومن أمراض القلوب)، والعمل الصالح ولا علاقة لذلك بشكل من الأشكال. والله ينظر إلى باطن الإنسان وعمله، لا إلى جسمه وشكله، إلا ما كان شعيرة أمر بها كلباس المرأة.

الفتنة أشدّ من القتل وقْعا، وأكبر منه حجْما، ومن أبشع أنواعها تفريق صفّ المؤمنين بناء على نظرة فوقية استعلائية هي أقرب إلى الطائفية والعنصرية من طرف من احتكر الحديث باسم الإسلام، ونصّب نفسه ناطقا باسمه من غير تفويض شرعي ولا شعبي،{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات: 10]، خطاب موجّهٌ لجميع المسلمين.

[لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابّوا]، حديث موجّه للأمة كلها، وليس لفِرقة من الفِرق.

إذا وُجد بيننا من يأتمر بأوامر شيخ يقدسّه، فنحن في حلّ من تقديس له، لنا مرجعيتنا التي تجمع ولا تفرّق، وتبني ولا تهدم، وتبشّر ولا تنفّر.

إن المحافظة على وحدة الصفّ فريضة دينية واجتماعية في ظلّ تربّص تحديات العولمة، والصفّ لا يحتمل مزيدا من التفريق، وأن ندعو لبعضنا البعض الخير والهداية والجنة، ونتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا، فيما اختلفنا فيه.

(المصدر: صحيفة بصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى