مقالاتمقالات مختارة

أميركا ودعم الاستبداد: ترامب والسيسي

أميركا ودعم الاستبداد: ترامب والسيسي

بقلم عادل رفيق

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مقالاً لإيشان ثاور* بعنوان: “ترامب لا يخالف تقاليد السياسة الأمريكية في تشجيع رجل مصر القوي” تحدث فيه عن سياسة الإدارات الأمريكية المختلفة في دعم الحكام القمعيين طالما أن ذلك يحقق مصالح الولايات المتحدة وأبرز مثال على ذلك عبدالفتاح السيسي الذي أصدر قضاؤه المُسيس منذ أيام حكماً بإعدام 75 من المعارضين معظمهم ممن شاركوا في حكومة الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في مصر والذي أطاح به العسكر في انقلاب قاده عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك. وقد قام المعهد المصري بترجمة المقال كاملاً على النحو التالي:
حكمت محكمة في مصر على 75 شخصًا بالإعدام. المدعى عليهم من بين أكثر من 700 شخص متهمين أُدينوا مسبقاً (حتى قبل محاكمتهم) بتهمة المشاركة في الاحتجاجات التي اندلعت عام 2013 ضد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي من قبل الجيش المصري. ومن بين هؤلاء هناك أعضاء بارزون في جماعة الإخوان المسلمين، الحزب الإسلامي الذي وصل للسلطة بعد انتخابات ديمقراطية جاءت بعد الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية التي حدثت في مصر عام 2011 (ثورة يناير) قبل أن يتم الإطاحة به بعد احتجاجات وانقلاب عسكري بعد ذلك (3 يوليو 2013).
وقد استولى وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على منصب مرسي كرئيس للجمهورية، وقاد ثورة مضادة شاملة امتدت على نطاق واسع في السنوات التي تلت ذلك – والتي حظيت إلى حد كبير بمباركة الغرب وحلفاء السيسي من دول الخليج الثرية.
لم يقم نظام السيسي بقمع الإسلاميين فحسب، بل طال القمع أيضاً شريحة واسعة من المجتمع المدني المصري، بما في ذلك الصحفيين والسياسيين المعارضين ووكالات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية. وتقول جماعات حقوق الانسان ان المحاكمات الجماعية للمعارضين تمثل مؤشراً سوداوياً آخر على المدى الذي يمكن أن يصله السيسي في درجة القمع الذي يمارسه ضد معارضيه. قالت نايجا بونيم من منظمة العفو الدولية في بيان “لا يمكن وصف ذلك إلا بأنه محاكاة ساخرة للعدالة.” “إنه يلقي بظلال قاتمة على سلامة نظام العدالة في مصر بأكمله وهو بمثابة سخرية من الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها.”
ويبدو أن إدارة ترامب لم تنزعج بما حدث في مصرفي الأسبوع الماضي (أحكام الإعدام)، حيث رفعت الحظر عن 195 مليون دولار كمساعدات عسكرية لمصر، كان قد تم حجبها من قبل وزارة الخارجية بسبب مخاوف محددة بشأن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان في ظل حكم السيسي. وتواصل القاهرة احتجاز آلاف الأشخاص لأسباب مريبة، ويستمر مسلسل هدم منازل القرويين الأبرياء في سيناء كجزء من إجراءات تقوم بها الحكومة في إطار مكافحة التمرد العنيف هناك، وفي ظل صمت رهيب من الجميع حتى من أكثر النقاد اعتدالاً. لكن الجهود التي تدعي الحكومة أنها قد بذلتها لمعالجة الانتقادات الأمريكية تبدو كافية ومرضية بالنسبة لوزير الخارجية الحالي مايك بومبيو.
وقد قدمت الولايات المتحدة مصر أكثر من 47 مليار دولار من المساعدات العسكرية و24 مليار دولار كمساعدات اقتصادية على مدى العقود الأربعة الماضية – وهي الحقبة الاستبدادية إبان رئاسة حسني مبارك (الذي أطاحت به ثورة يناير 2011). وتعزز أحدث الخطوات التي قامت بها الإدارة الأمريكية تجاه النظام المصري الرسالة التي تقول إن واشنطن تقدر جهود السيسي في خنق جماعات الإسلام السياسي وتعزيز التعاون مع إسرائيل على حساب المُثل الديمقراطية التي دافع عنها أجيال من الرؤساء الأميركيين من قبل. وقالت ميشيل دون، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية وتعمل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن، حيث قالت لصحيفة وول ستريت جورنال: “إن هذا الأمر يعطينا إشارة واضحة مفادها: لا تُعر أي انتباه لأي حديث قد يصدر عنا في المستقبل”.
صحيح أن التظاهر بالمثل الديمقراطية قد انتهى في عهد الرئيس ترامب، الذي لم يُخف إعجابه بالقادة ذوي القبضة الحديدية على شعوبهم والذين يحاربون بشراسة الإسلاميين والمعارضين بشكل كبير. لكن ترامب لم يكن وحده. فهناك كوكبة من المسؤولين والسياسيين في واشنطن ممن ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي يُشككون في حقيقة التقدم الديمقراطي غير المستقر في مصر فترة حكم مرسي، ويعتبرون جماعة الإخوان المسلمين المنتخبة شعبياً آنذاك بمثابة “خطر كامن”. وقد ضخم حلفاء السيسي من دول الخليج الغنية (وخاصة السعودية والإمارات) – الذين يرون في الإسلام السياسي ليس فقط تربة خصبة للتطرف الجهادي، وإنما أيضاً تهديداً وجودياً لعروشهم – ضخموا تلك المخاوف وظلوا يرددونها.
ويُلقي كتاب [في قبضة العسكر] الذي ألفه ديفيد كيركباتريك، المدير السابق لمكتب نيويورك لنيويورك تايمز، يلقي الضوء على دور إدارة أوباما في تمكين تولي السيسي مقاليد الحكم في البلاد ولو بشكل ضمني وإعادة ترسيخ الحكم الاستبدادي في مصر. وكتب كيركباتريك في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، اقتبسه من الكتاب: “كان هذا الانقلاب لحظة فاصلة بالنسبة للمنطقة، حيث قضى على حلم الديمقراطية وكان بمثابة تشجيع لكل من الحكام المستبدين والجهاديين على حد سواء”.
وقال أندرو ميلر، الذي كان مسئولاً عن ملف مصر في مجلس الأمن القومي إبان حكم باراك أوباما … “لقد عملت السياسة الأمريكية أيضًا على تمكين أولئك الذين كانوا ينادون بسحق معارضي الانقلاب في مصر آنذاك، داخل إدارة دونالد ترامب، وتولوا مناصب عليا في البلاد، بما في ذلك وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي السابق لترامب مايكل فلين.
ويشير كيركباتريك إلى خلافات داخلية حول ذلك في البيت الأبيض خلال فترة حكم أوباما – بين المتمسكين بالمثل الديمقراطية من الليبراليين وبالتالي يميلون إلى احتضان الثورات المؤيدة للديمقراطية في الربيع العربي وبين القيادة العليا في وزارة الخارجية والبنتاجون آنذاك، والذين كانوا أكثر حذراً. ووفقاً لروايته وروايات أخرى، فقد عمل وزير الخارجية السابق جون كيري ووزير الدفاع السابق تشاك هيجل على التطبيع مع نظام الأمر الواقع الجديد بعد سيطرة السيسي على مقاليد الأمور.
وحتى ذبح مئات من أنصار مرسي والحكومة المنتخبة في أغسطس 2013 أثناء اعتصام تم تنظيمه للاحتجاج على الانقلاب على الحكومة المنتخبة – حتى هذه المذابح لم تجد صدى لتغيير مواقف الولايات المتحدة تجاه الانقلاب طويلاً.
ويُنظر إلى مذبحة رابعة العدوية، كما تُعرف به عمليات القتل التي جرت آنذاك، على أنها أعنف مذبحة دموية منذ مذبحة ساحة تيانانمن في بكين عام 1989. وقد أدى ذلك إلى وقف مبيعات بعض المعدات العسكرية الأمريكية لمصر وتعليق قصير للمساعدات. وقال أوباما لمستشاريه – حسب مقال لمايكل كراولي نشره في بوليتيكو عام 2016 – بعد مذبحة رابعة “لا يمكننا الاستمرار في العمل (مع نظام ما بعد 3 يوليو في مصر) بنفس الطريقة كما كنا من قبل”، وأضاف: “يجب أن نكون حذرين للغاية أن يُنظر إلينا أننا نساعد أو نحرض على أعمال نعتقد أنها تتعارض مع قيمنا ومُثلنا”.
لكن واشنطن عادت في النهاية إلى العمل كالمعتاد مع النظام في مصر. وقال كيري، الذي كان يكره مرسي بشكل شخصي، في وقت لاحق أثناء حديث له مع كيركباتريك “في مصر، ما هو البديل؟ لم تكن ديمقراطية جيفرسونية.” [نسبة إلى جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال (1776) وثالث رئيس للولايات المتحدة (1801–1809)، والذي كان متحدثاً باسم الديمقراطية]. وأضاف كيري قائلاً: “على مدى سنوات دفعنا نحو 80 مليار دولار للنظام في مصر. وفي معظم الأوقات، هذا هو نوع الحكومة التي كانوا يأتون بها – تقريباً طوال الوقت. والواقع هو أنه لن يكون الأمر مختلفاً كذلك في المستقبل – بغض النظر عن أمنياتي الشخصية”.
لم يكن البيت الأبيض في الحقيقة ليحرص على بقاء الإخوان المسلمين في السلطة، بغض النظر عن نواياهم الديمقراطية، حيث أزعج صعودهم كثيراً من المحللين في واشنطن وأثار غضب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة. وقال بن رودز، نائب مستشار الأمن القومي في إدارة أوباما، لـ كيركباتريك: “إن جميع من كان يريد إقامة علاقة مختلفة مع الشعب المصري في ظل تجربتهم الديمقراطية الجديدة آنذاك، بما في ذلك الرئيس أوباما نفسه، كانوا على جزيرة منعزلة داخل حكومتنا. حيث كان هناك شعور بحتمية سيطرة العسكر على الأمور في مصر من جديد.”
وقد تحول ذلك الشعور بالاستسلام بالأمر الواقع إلى شعور بالارتياح بمجرد مجيء ترامب، الذي وصف السيسي بأنه “رجل رائع”. ولكن هناك خطر من أن المسار الحالي سيتسبب في خلق فوضى جديدة. وقال بريان دولي من منظمة هيومان رايتس فيرست، وهي منظمة أمريكية مناصرة لحقوق الإنسان، لصحيفة الواشنطن تايمز: “القمع يولّد الاستياء، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى التطرف”. “هذا سيؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار مصر وتقويض المصالح الأمريكية.”


* ايشان ثارور يكتب عن الشؤون الخارجية لواشنطن بوست، وقد عمل سابقاً كبير محررين ومراسل في مجلة “تايم”.
* الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى