مقالاتمقالات مختارة

أمريكا…والرغاليون الجدد!

أمريكا…والرغاليون الجدد!

بقلم أ. سيف الهاجري

(سجل احتلال العراق بالتحديد نقطة تحول) من مقال التدمير الذاتي للنفوذ الأمريكي لفريد زكريا – مجلة فورين أفيرز.

هذه شهادة تكشف حقيقة أسباب تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد الهزيمة الأمريكية في أفغانستان أمام حركة طالبان وفشل مخططاتها في العراق بفضل المقاومة العراقية مما هيأ الظروف الدولية والإقليمية أمام الثورة العربية التي قامت في وقت ضعفت فيه القوى العظمى الحامية والراعية للنظام الدولي وهذا من لطف الله عز وجل بهذه الأمة التي استضعفت وتداعت عليها الأمم وحورب دينها واحتلت أوطانها ونهبت ثرواتها.

ومع هذا التراجع للنفوذ الغربي بشكل عام والأمريكي على وجه الخصوص بدأ معه سقوط القوى الوظيفية وانهيارها من أنظمة وجماعات وأحزاب ارتبطت ارتباطا عضويا بهذا النفوذ الغربي والراعي لها منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم.

فبعد الحرب العالمية الثانية بدأت أمريكا بتسلم راية الهيمنة الغربية على العالم العربي وورثت الجمل بما حمل من بريطانيا التي التزمت بسياسة تشرشل لاحلال أمريكا مكانها في الشرق الأوسط التي وضعها بعد مؤتمر القاهرة عام 1921م “سلام ما بعده سلام ص562 – ديفيد فرومكين.

وكما ورثت أمريكا الأرض والثروة من بريطانيا في العالم العربي فقد ورثت كذلك رعايتها للمنظومة العربية بدولها وجماعاتها، وبدأ التفاهم التاريخي بينها وبين هذه المنظومة السياسية بكل أدواتها.

وقد بدأت أمريكا بإعادة صياغة النظام العربي بما يتناسب مع المرحلة الدولية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت البداية من سوريا حيث دعمت أول انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم 1949م – لقطع الطريق على ثورة شعبية تتشكل في الأفق – وبتأييد من حزب البعث وجماعة الإخوان المسلمين والذين انطلق خطباؤهم في الجامع الأموي في دمشق يحثون الجماهير على التظاهر تأييدا للانقلاب العسكري كما رواه أكرم الحوراني في مذكراته إذ قال (ففي جامع بني أمية حيا خطيب الجمعة الشيخ بشير الخطيب الانقلاب وقال:إن الله قيض للبلاد منقذا بشخص الزعيم الذي أنقذ الجيش من الانهيار والبلاد من ثورات داخلية…وقام على أثره خطيبان أحدهما من الإخوان المسلمين والآخر من حزب البعث العربي) “مذكرات أكرم الحوراني 2 / 940”

وفي مصر انفلتت الأوضاع في القاهرة عام 1952 لمدة 50 يوما اشتعلت فيها الحرائق وأوشك النظام على السقوط فسارعت أمريكا إلى دعم حركة الضباط الأحرار المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين لقطع الطريق على الثورة الشعبية ومنع وصولها للسلطة في مصر بالتزامن مع وصول مصدق للسلطة في إيران وتأميمه للنفط مما يهدد النفوذ الأمريكي في المنطقة لو تحررت مصر وإيران من نفوذها وهي للتو دخلتها وهو ما كانت تخشاه أمريكا.

وقبل وقوع انقلاب جمال عبدالناصر على النظام الملكي وفي الوقت الذي تهيأت دبابات الانقلاب للسيطرة على مؤسسات الدولة كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أوعزت لكوادرها بحماية السفارات والقنصليات الأجنبية كما اعترف بذلك الاستاذ يوسف ندا في مذكراته حيث قال (وصلنا إخطار مسبق بوقوع انقلاب وشيك وأمرنا بحماية السفارات الأجنبية والبنوك والمباني الحكومية….وكلفوني بالمساعدة في حراسة القنصلية البريطانية في الإسكندرية) “من داخل الإخوان المسلمين – يوسف ندا مع دوجلاس تومبسون”.

وفي عام 1957م أعلنت الإدارة الأمريكية مبدأ أيزنهاور كسياسة أمريكية لمواجهة الخطر الشيوعي على النفوذ الأمريكي في المنطقة، فقامت وفقا لهذا المبدأ بدعم (الجماعات الإسلامية في المنطقة من خلال مكتب العلاقات الحكومية في شركة أرامكو) “عبدالناصر آخر العرب ص305 – سعيد أبو الريش”.

واستمر التوظيف الأمريكي للجماعات الوظيفية لمواجهة الخطرين على نفوذها الخطر الخارجي المتمثل بالاتحاد السوفيتي والخطر الداخلي المتمثل في الثورات الشعبية.

وظهر هذا التوظيف لمواجهة الخطر السوفيتي في الحرب في أفغانستان بعد احتلال السوفيت لها حيث كشف الأمير بندر بن سلطان في مذكراته طبيعة هذا التوظيف فيقول (لم نستخدم مقولات الشرق الغرب أو العداء الأميركي للشيوعية، بل استخدمنا الدين قلنا الشيوعيون ملحدون إنهم غير مؤمنين ونحن نحارب لأسباب دينية وجيشنا العالم الإسلامي وراءنا، وهو ما توافق تماما مع استراتيجية ريغن لقتال الاتحاد السوفياتي في منطقة لا يستطيعون التأثير فيها كما نؤثّر نحن) “كتاب الأمير–وليام سيمبسون ص141 الدار العربية للعلوم ناشرون”، وإن تقاطعت مصالح أمريكا مع المجاهدين الأفغان حينها، إلا أن الجماعات الوظيفية التزمت بدورها الوظيفي واصطفت لاحقا مع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عام 2001م كالاتحاد الإسلامي الأفغاني والجمعية الإسلامية وباقي قوى تحالف الشمال المعارض الذي دخل كابول على ظهر الدبابة الأمريكية.

وأما مواجهة الثورات الشعبية كخطر داخلي على الهيمنة الأمريكية وفقا لمبدأ أيزنهاور فقد تجلى في الترتيب الأمريكي لانقلاب الجنرال البشير في السودان عام 1989م بدعم من الحركة الإسلامية بقيادة حسن الترابي رحمه الله على الحكومة المنتخبة من الشعب السوداني والتي لم يقبلها النظام العربي فتم التآمر عليها وإسقاطها.

وواجهت أمريكا وفرنسا الحراك الشعبي في الجزائر ونتائج الانتخابات الحرة التي انتخب فيها الشعب الجزائري الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وجاء الانقلاب العسكري عام 1992م وبدعم من الحركة الإسلامية بقيادة محفوظ النحناح رحمه الله لينهي هذه التجربة التي يشكل فيها وصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ للسلطة خطرا على مصالح أمريكا في المنطقة على حد وصف جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا آنذاك بقوله (انتهجنا استبعاد الأصوليين الراديكاليين في الجزائر لأن آرائهم معاكسة تماما لما نؤمن به والمصالح الوطنية لأمريكا) “الجبروت والجبار ص204- مادلين أولبرايت”.

وفي العراق كما في أفغانستان وقفت الأحزاب الوظيفية كحزب الدعوة الشيعي والحزب الإسلامي السني مع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م واستمروا في دورهم الوظيفي السياسي والعسكري ليحاصروا ويدكوا المدن العراقية السنية الثائرة على الاحتلالين الأمريكي والإيراني ليبقى الاحتلال جاثما على العراق إلى يومنا هذا.

ومع قيام ثورة الربيع العربي تشكلت غرفة عمليات دولية مشتركة بقيادة أمريكا والتي سارعت بوضع ترتيبات سياسية وعسكرية وأطلقت الثورة المضادة مستعينة بكل أدواتها الوظيفية من أنظمة وجماعات لمواجهة الثورة، والتي منذ بدايتها لم يدرك الثوار خطورة ما يدبر لها في كواليس عواصم النظام الدولي، وخطورة ركوب الجماعات الوظيفية الإسلامية والليبرالية واليسارية موجتها الأولى لتتصدر مشهدها السياسي وتحتوى الثورة وفق الترتيبات الدولية التي وضعتها الغرفة الدولية المشتركة كما في دول الربيع العربي تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا وفي غيرها من الدول كالكويت والبحرين والأردن في المشرق العربي والمغرب وموريتانيا في المغرب العربي.

وبعد مرور عقد على قيام الثورة وعقدان على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق ومع انطلاق الموجة الثانية من الثورة العربية في الجزائر والسودان وفي ظل عدم استقرار الأوضاع في العالم العربي والإسلامي بالرغم من الثورة المضادة والحملات العسكرية فقد انهارت سيطرة النظام الدولي من أندونيسيا شرقا إلى المغرب غربا.

ولذا سارعت أمريكا بطرح مشروعها (صفقة القرن) لتحافظ فيه على نفوذها المتراجع قبل الانهيار الكامل للمنظومة الوظيفية والاستعداد لإنشاء منظومة وظيفية بديلة وفق هذا المشروع.

فهدف أمريكا الأساسي اليوم ليس المحافظة على إسرائيل أو مواجهة النفوذ الصيني أو الروسي أو الإيراني، وإنما هدفها الأساسي من مشروعها (صفقة القرن) مواجهة الثورة العربية بالتحديد وانهائها فهي الخطر الأعظم على الهيمنة الأمريكية ليس على العالم العربي فقط وإنما على العالم أجمع، فهيمنتها العالمية مرتكزة على هيمنتها على العالم العربي وخاصة مصر والخليج والجزيرة العربية.

لذا فالكل يترقب ما الذي ستنتهي عليه معركة الثورة العربية؟ فهي المعركة التي ستحدد شكل وطبيعة النظام العالمي الجديد للقرن الواحد والعشرين، فكما انهارت الإمبراطورية البريطانية بخسارتها للعالم العربي فستنهار الامبراطورية الأمريكية بتحرر العالم العربي، وحينئذ سينهار معها كل أدواتها الوظيفية ولن تُذكر إلا كما يذكر العرب أبا رغال الذي دل جيش أبرهة الصليبي على الطريق إلى مكة لهدمها، والذين يسير على خطاه الرغاليون الجدد وسينتهون كما انتهى.

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)﴾

(المصدر: موقع أ. سيف الهاجري)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى