مقالاتمقالات المنتدى

أكذوبة الإلحاد (18) التحدي الأكبر وبزوغ فجر الحقيقة موسى وفرعون

أكذوبة الإلحاد (18) التحدي الأكبر وبزوغ فجر الحقيقة موسى وفرعون

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

بعد أن ضُرب موعد ليوم مشهود يتحدى فيه موسى – بتأييد الله وتوفيقه – فرعون وملأه وسحرته، ممتلئين غروراً فوق غرور وغطرسة فوق غطرسة، قاطعين بانتصارهم – وهم أكبر سحرة الدولة – على موسى الفرد، فقال لهم موسى:

قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (٤٨)﴾ ]الشعراء:٤٣-٤٨[.

وهذا مشهد المباراة الكبرى وأحداثه الجسام. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٥).

  • قال تعالى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾:

قال لهم ذلك بعد أن قالوا له: ﴿يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ ]طه:٦٥[، وتأمل قول موسى عليه السلام: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ تجد وراءها الثقة الواثقة والمطمئنة إلى نصر الله، وأنه عليه السلام يقول لهم ألقوا كل ما أنتم ملقون وكما حشدتم السحّارين من كل المدائن، فعليكم أنتم أيها السحارون المجموعون من كل ما في البلاد، أن تلقوا كل ما تظنون أنه يحقق لكم الغلبة، ولاحظ أن موسى وحده في جانب -ومعه أخيه- وكل سحّار عليم في مصر في جانب ومعهم الناس المجتمعون ومعهم فرعون، وحاشيته والمصفقون له ومن حوله من المطبلين في مواجهة موسى وأخيه. (من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، محمد أبو موسى، ص٤٦٢)

ونلاحظ منذ البدء اطمئنان موسى إلى الحق الذي معه، وقلة اكتراثه إلى كثرة السحرة المحشودين من المدائن، والمستعدين لعرض أقصى ما يملكون من براعة، ووراءهم فرعون وملؤه، وحولهم تلك الجماهير المضللة المخدوعة، ويتجلى هذا الاطمئنان في تركهم إياهم يبدؤون: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾.

وفي التعبير ذاته ما يشي بالاستهانة ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾؛ بلا مبالاة ولا تجديد ولا اهتمام، وحشد السحرة أقصى مهارتهم وأعظم كيدهم وبدأوا الجولة باسم فرعون وعزته.

  • ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ ]الشعراء:٤٤[:

وبما أن السحرة كانوا كافرين بالله، مؤمنين بفرعون معتمدين عليه، راغبين فيما عنده، فقد توكلوا عليه واستنجدوا بعزته، وقد سجل القرآن عبارتهم الغريبة التي نطقوا بها عندما ألقوا سحرهم، قال تعالى: ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾ ]الشعراء:٤٤[، بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، ومن هو فرعون وما هي عزته؟ وماذا تساوي عزته وكبرياؤه أمام عزة الله وقوته وكبريائه؟ وهل تقف عزة فرعون العبد المخلوق الضعيف أمام عزة الله الخالق القوي؟ وهل ينتصر من اعتز بعزة فرعون الزائلة على من اعتز بعزة الله الثابتة؟ صدق من قال: من اعتز بغير الله ذلّ واعتزاز السحرة بفرعون في قولهم:﴿بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾يدل على أنهم كانوا يعبدون فرعون ويعتبرونه رباً وإلهاً ولهذا اعتزوا به واعتمدوا على عزته. (القصص القرآني، ٢/٤٤٧).

وفرعون ومن حوله يسمعون، ويصدقون، ويمتلئ فرعون غروراً فوق غرور وغطرسة فوق غطرسة، وطغياناً فوق طغيان. (من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، محمد أبو موسى، ص٤٦٣)

وفي قولهم: ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾: رجع التوكيد بإن، واللام، وتوكيد الضمير المتصل بالضمير المنفصل، وتعريف الخبر باللام الدال على قصر الغلبة عليهم، وأنها لهم دون موسى عليه السلام وهذه الجملة مهمة أيضاً في لحظتها لأنهم بعد ذلك بقليل سيسجدون لله رب العالمين، وينتصرون للحق البيّن ويخلعون عزة فرعون الزائفة الكاذبة ويردونها إليه، وهو في أبّهته بين ملئه والطبالة والزمارة من حوله.

ولا يفصل السياق هنا ما كان من أمر حبالهم وعصيهم كما فصل في سورة الأعراف وطه، ليبقى ظل الطمأنينة والثبات للحق، وينتهي مسارعاً إلى عاقبة المباراة بين الحق والباطل، لأن هذا هو هدف سورة الشعراء الأصيل. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٥)

  • ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ ]الشعراء:٤٥[.

وقوله جل ذكره وجل كلامه وجل بيانه: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ ]الشعراء:٤٥[، تأمل السرعة الخاطفة التي أزهق فيها حق موسى عليه السلام باطل فرعون وسحرته، وستجد هذه السرعة الفائقة التي حسمت هذا الموقف الذي جمع له الناس في هاتين الآيتين:

  • الأولى: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ﴾.
  • الثانية: ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾.

وراجع كلمة: ﴿فَإِذَا هِيَ﴾؛ وليس المفاجأة فحسب، وإنما هي أي العصا تلقف، وإنما يخيّل لمن يراها أنها تسعى، ثم إن اللقف وهو الأخذ بسرعة وبقوة، لا يكون خيالاً سحرياً، ثم كلمة ﴿يَأْفِكُونَ﴾ وكيف دلّت على أن كل ما كان منهم إفك، وأن دعوة فرعون لهم إفك وأن حشودهم إفك، وأن صاحب العزة والأبهة الجالس وحوله الناس كل ذلك إفك، لأن عصا موسى لم تلقف عصا السحرة وحبالهم وإنما لقفت أباطيل وضلالات فرعون وملئه وكل من حوله، عصا موسى لقفت كل الإفك الذي ملأ أرض الكنانة. (من حديث يوسف وموسى، ص٤٦٤)

  • ومعنى ﴿تَلْقَفُ﴾: تبتلع وتلتهم في سرعة وقوة، أما السرعة في اختصار الزمن، وأما القوة فتدل على الأخذ بشدة وعنف، وفي هذا دليل على أنه خاض المعركة بقوة، فلم تضعف قوته لما رأى من ألاعيب السحرة.
  • ومعنى ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾: من الإفك يعني: قلب الحقائق، لذلك سمّوا الكذب إفكاً، لأنه يقلب الحقيقة ويغير الواقع.

إذن، وقعت المفاجأة المذهلة التي لم يكن يتوقعها كبار السحرة، فقد بذلوا غاية الجهد في فنّهم الذي عاشوا به وأتقنوه وجاءوا بأقصى ما يملك السحرة أن يصنعوه، وهم جمع كثير محشود من كل مكان وموسى وحده وليس معه إلا عصاه، ثم إذا هي تلقف ما يأفكون واللقف أسرع حركة للأكل وعهدهم بالسحر أن يكون تخييلاً ولكن هذه العصا تلقف حبالهم وعصيهم حقاً، فلا تبقي لها أثراً، ولو كان ما جاء به موسى سِحراً، لبقيت حبالهم وعصيهم بعد أن خُيّل لهم وللناس أن حية موسى ابتلعتها، ولكنهم ينظرون فلا يجدونها فعلاً، وعندئذ لا يملكون أنفسهم من الإذعان للحق الواضح الذي لا يقبل جدلاً وهم أعرف الناس بأنه الحق. (في ظلال القرآن، ٥/٢٥٩٥).

لقد كانت معجزة العصا وانقلابها إلى حية جلية بينة لأهل الخبرة في السِحر، وإنهم يعلمون أن ما جاء به موسى ليس من نوع السحر، بل هو إعجاز الله تعالى.

 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” موسى عليه السلام كليم الله “، للدكتور علي محمد الصلابي.

المراجع:

  • زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة (ت: 1394ه)، القاهرة، دار الفكر العربي، 1987م.
  • القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.
  • موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
  • في ظلال القرآن، سيد قطب.
  • من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، محمد أبو موسى.
  • تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى