مقالاتمقالات المنتدى

أكذوبة الإلحاد (17) الضخ المالي والتجييش الإعلامي ضد موسى – عليه السلام – ودعوة التوحيد

أكذوبة الإلحاد (17) الضخ المالي والتجييش الإعلامي ضد موسى عليه السلام – ودعوة التوحيد

 

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

ذكرت في المقالات السابقة الحوار الذي بدأ بين موسى وهارون (عليهما السلام) وفرعون وملئه، ابتداءً من اللقاء الأول الممتدّ الذي يسأل فيه فرعون عن الإله، وموسى عليه السلام يبين له الحجج والدلائل على صدق دعوته وحقيقة نبوته وكلامه عن رب العباد وآثاره في الأرض والحياة، التي تبين لكلّ عاقل أن للكون رباً واحداً لا شريك له، و{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، وفرعون مع كل ذلك يستكبر ويعاند كما مرّ،  إلى أن وصل بهما الحوار والجدال إلى ضرب موعد لإقامة تحدٍ بين موسى عليه السلام وكبار السحرة في الدولة الفرعونية، كبرهان من موسى على قوة حجته وصدق آياته.

قال الله تعالى: ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (٤٠)﴾ ]الشعراء:٣٨-٤٠[.

وبينما ذهب حكام المدن وولاة الأقاليم المصرية يجمعون السحرة لإيفادهم إلى فرعون، قام الملأ من قوم فرعون بتهيئة الناس للمباراة القادمة الحاسمة الفاصلة بين السحرة المتمكنين وبين موسى عليه السلام وقاموا بحملة إعلامية إعلانية حاشدة من أجل ذلك، وهم في حملتهم الإعلامية يريدون التأثير على الرأي العام واستقطاب الناس إلى جانبهم، فموسى إسرائيلي ساحر عليم متمكن -في نظر أتباع فرعون- من سحره يحوّل العصا إلى حية، وهو ليس رسولاً كما يزعم وهو يريد استغلال الدين لمصلحته الشخصية وهو مخرب مفسد يريد تخريب الوطن وإخراج أهله منه .. إلخ وقد قامت الحملة الإعلامية الفرعونية بوصف موسى عليه السلام بأبشع الأوصاف والدفاع عن فرعون ونظام حكمه الفاسد.

وأصبحت قضية موسى مع فرعون هي شغل الناس الشاغل وحديثهم في مجالسهم ومحل نظرائهم وتحليلاتهم، سواء كانوا من المصريين أو من الإسرائيليين، وصار تحديد موعد مباراة السحرة مع موسى موضع اهتمام الناس، ينتظرون تجميع السحرة وقدومهم إلى العاصمة وقد جاؤوا من مختلف المدائن. (القصص القرآني، ٢/٤٣٢)

  • ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ ]الشعراء:٣٨ [:

الفاء للترتيب والتعقيب النسبي، أي فجمع السحرة باتخاذ الطريق الذي رسموه والمنهاج الذي حفظوه وهذا الميقات المعلوم كان باقتراح موسى عليه عندما طلب منه فرعون الماكر تحديد الموعد كما جاء في سورة طه، قال تعالى: ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾]طه:٥٨[، أي: حدد يا موسى أنت الموعد الذي يناسبك واي موعد تراه مناسباً فنحن موافقون عليه، ولا تختلف عنه وليكن مكان المباراة ﴿مَكَانًا سُوًى﴾.

ومعنى: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾: مكاناً مستوياً ظاهراً بارزاً يراه الجميع، ولا يخفى أي جزء منه عن أي مشاهد، ولا يكون هكذا إلا إذا كان سهلاً واسعاً ممتداً لا جبل ولا تل فيه ولا أشجار، قال عبد الرحمن بن زيد: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾: مكاناً مستوياً بين الناس وكل ما فيه بارز للناس، لا يغيب شيء منه عن أحد من الناس. (تفسير ابن كثير، (٣/١٥٢)

ولم يرد ﴿سُوًى﴾ في غير هذا الموضع من القرآن واعتبرنا طلب فرعون من موسى تحديد موعد المباراة من باب كيده ومكره لأنه من باب “حربه النفسية” ضدّ موسى عليه السلام، فكأنه يقول له: الأمر محسوم عندنا وفوز السحرة مضمون وهزيمتك مؤكدة، فقد جمعنا لك السحرة من مختلف مدائن مصر وأحضروا معهم كل خبراتهم مهاراتهم، وأنت لن تصمد أمامهم.

ولذلك حدد أنت مكان وزمان هزيمتك واختر أوسع مكان وأكثره ظهوراً وبروزاً ليشاهد الجميع هزيمتك ويشهدوا بذلك عليك.

وحدد موسى عليه السلام الموعد واثقاً من وعد ربه له بالنصر فقال: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ ]طه:٥٩[.

  • ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (٤٠)﴾ ]الشعراء:٣٩-٤٠[.

قال الشعراوي: أي: أخذوا يدعون الناس وكأنهم في حملة دعائية وتأييد، إما لموسى من أنصاره الكارهين لفرعون في الخفاء، وإما لفرعون فكان هؤلاء وهؤلاء حريصين على حضور هذه المباراة، إننا نشاهد الجمع الغفير من الجماهير يتجمع لمشاهدة مباراة في كرة القدم مثلاً، فما بالك بمباراة بين سحرة من يدّعي الألوهية وموسى عليه السلام الذي جاء برسالة جديدة يقول: إن له إلهاً غير هذا الإله؟ إنه حدث هزّ الدنيا كلها وجذب الجميع لمشاهدته. (تفسير الشعراوي، (١٧/١٠٥٦٥)

 وتظهر من التعبير حركة الإهاجة والتحميس للجماهير -من أتباع فرعون- ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾لعلنا نتبع السحرة؟ هل لكم في التجمع وعدم التخلف عن الموعد، ليترقب فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي، والجماهير دائماً تتجمع لمثل هذه الأمور دون أن تفطن على حكامها الطغاة يلهون بها ويعبثون ويشغلونها بهذه المباريات والاحتفالات والتجمعات، ليلهونها عما تعاني من ظلم وكبت وبؤس، وهكذا تجمع المصرين ليشهدوا المباراة بين السحرة وموسى عليه السلام. (في ظلال القرآن، (٥/٢٥٩٤)

٢- قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)﴾ ]الشعراء:٤١-٤٢[.

  • ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ ]الشعراء:٤١ [:

طلبوا منه الأجر الكثير مقابل مباراتهم ومواجهتهم لموسى، إذا غلبوه وهزموه، وورد طلبهم في سورتين: في الأعراف والشعراء وجاء التعبير في سورة الأعراف بصيغة: ﴿إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾، بينما التعبير في سورة الشعراء بصيغة ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾، وهو في سرة الشعراء مؤكد أكثر، لأنه فيه الهمزة الداخلة على ﴿إِنَّ﴾، والتنوين في ﴿إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾ للتكثير، فلم يحددوا مقدار الأجر المطلوب وتركوا تحديده إلى فرعون، وطلبهم الأجر من فرعون هذه المرة يدل على أن فرعون وملأه كانوا يستغلونهم قبل ذلك استغلالاً ويشغلونهم سخرة، ولا يعطونهم على أعمالهم أجراً، وهذه طبيعة المسؤولين الظالمين المستبدين، يسخرون الآخرين لهم، ويستنزفون طاقاتهم ويسرقون جهودهم ويأخذون ما عندهم بدون أجر ولا جزاء ولا ثمن ولا عطاء، وإذا بدا لهم أن يعطوهم شيئاً كان شيئاً تافهاً هزيلاً لا يساوي شيئاً. (القصص القرآني، ٢/٤٣٤)

وهكذا ينكشف الموقف عن جماعة مأجورة يستعين بها فرعون الطاغية، تبذل مهارتها في مقابل الأجر الذي تنتظره ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية ولا شيء سوى الأجر والمصلحة، وهؤلاء هم الذين يستخدمهم الطغاة في كل زمان وفي كل مكان، وها هم يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع، وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر. (القصص القرآني، (٢/٤٣٤)

  • ﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ ]طه:٤٢[:

هنا يتنازل فرعون عن تعاليه وكبريائه ويذعن لشروط سحرته بل ويزيدهم فوق ما طلبوا: ﴿وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ فسوف تكونون من خاصتنا، نستعين بكم في مثل هذه الأمور ولا نستغني عنكم، لأنكم الذين حافظتم على باطل ألوهيتنا. (تفسير الشعراوي، ١٧/١٠٥٦٦)

وكلمة ﴿إِذًا﴾ وهي تشير إلى لحظة الغلبة التي يرقبها فرعون بكل شوق لأنها لحظة فاصلة تثبت ربوبيته لقومه، وعبادة قومه له أو تكشف هذا وتذهب به، وقال لهم ﴿نَعَمْ﴾ أنا موافق على ما تطلبون وسأعطيكم الأجر الذي تريدون.

  • ﴿وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾: ولكم عندي زيادة على الأجر هو أنني سأقربكم مني، وأجعلكم من المقربين لديّ وأضمكم على خاصتي وحاشيتي وتكونون من الملأ المتنفذين، ووعد فرعون للسحرة أن يجعلهم من المقربين لأنه بحاجة ماسة لهم وهذا إغراء منه لهم، وترغيب لهم لبذل كل جهدهم لينالوا هذه المنزلة. (القصص القرآني، /٤٣٥)

وقد أكد فرعون قربهم منه بمؤكدات أولها: إنّ، وثانيها: اللام، وثالثها: الحكم بأنهم يكونون من ذوي الزلفى المحيطين به، فيكونون في ظلامه وظلمه، وبيَّن أن ذلك نتيجة عملهم، وذلك بالتعبير بـ ﴿إِذًا﴾ أيّ أنه نتيجة عملهم. (تفسير أبو زهرة، (١٠/٥٣٥٣)

المراجع:

  1. القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.
  2. التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، عبد الحميد محمود طهماز، دمشق، دار القلم، ط2، 1435ه/ 2014م.
  3. زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة (ت: 1394ه)، القاهرة، دار الفكر العربي، 1987م.
  4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت، 1393ه)، جدة، السعودية، مجمع الفقه الإسلامي، دار علم الفوائد، (د. ت).
  5. موسى عليه السلام كليم الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
  6. في ظلال القرآن، سيد قطب.
  7. القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.

 ([1])المصدر نفسه، (٩/١٢٥).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى