مقالاتمقالات مختارة

أكاديمية الدمار والموت | بقلم إحسان الفقيه

أكاديمية الدمار والموت | بقلم إحسان الفقيه

“أكاديمية الدمار والموت” ذلك هو الوصف الذي أطلقه السوفييت على أكاديمية راند الأمريكية التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية، والتي كان لها دور بارز في الحرب الباردة.

مؤسسة راند تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تمد دوائر صنع القرار بالدراسات اللازمة المتعلقة بالقضايا العالمية والدولية الهامة، بل وتسهم في تحديد المسارات التي ينبغي للإدارة الأمريكية أن تسير فيها إزاء تلك القضايا، ولا تخلو إدارة البيت الأبيض من خبراء تابعين لهذه الأكاديمية.

 وقد عبرت الإيكونوميست البريطانية عن قوة دور مؤسسة راند – وغيرها من المراكز البحثية الأمريكية – في حكومات أمريكا، فوصفت هذه المراكز بأنها حكومة ظل في الولايات المتحدة، وأنها الحكومة الخفية الحقيقية التي تصوغ القرار السياسي وتكتبه، ثم تترك مهمة التوقيع عليه للرئيس ومعاونيه”.

ضمّت مؤسسة راند عبر مراحلها المختلفة العديد من أساطين السياسة والفكر، ومنهم هنري كسينجر الذي يعد أحد أهم الشخصيات التي صاغت السياسة الخارجية الأمريكية، والذي طلب من مؤسسة راند إعداد بحث حول “الأسلحة الذرية التي يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمها في منطقة الشرق الأوسط”، ومنهم كذلك دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، وفرانسيس فوكوياما صاحب أطروحة نهاية التاريخ الشهيرة.

لمؤسسة راند بصمة في كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية، فإضافة إلى دورها في الحرب الباردة مع السوفييت، كان لها دور بارز كذلك في حرب فيتنام، عندما استعانت بها الإدارة الأمريكية في وضع احتمالات الحرب، كما برز دورها في الاحتلال الأمريكي للعراق، وقدمت تقارير عديدة للقيادة الأمريكية كان أبرزها تقرير “خيارات السياسة الأمريكية في العراق”.

 ترتبط مؤسسة راند وغيرها من المراكز البحثية الأمريكية بالعالم الإسلام ارتباطا وثيقا، فهي امتداد تاريخي للاهتمام الغربي بدراسة وفهم العالم الإسلامي وفق دوافع متعددة، لذلك تعد هذه المؤسسة صورة معاصرة للاستشراق، إلا أنها أكثر لصوقا بدوائر صناعة القرار، وهي التي شبهت في تقاريرها المواجهة الأمريكية الحالية مع العالم الإسلامي بالمواجهة الأمريكية التي كانت مع الاتحاد السوفييتي فيما عرف بالحرب الباردة.

اهتمت دراسات وتقارير راند خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، بتحديد الشركاء المناسبين في العالم الإسلامي، والذين يمكن الاعتماد عليهم في تعميم نموذج إسلامي يتماهى مع المصالح والأهداف الأمريكية، كان أبرز تلك التقارير “إسلام حضاري ديموقراطي…شركاء وموارد واستراتيجيات”.

ويعتبر زعيم حركة “خدمة” التركي فتح الله كولن، أحد الشخصيات الإسلامية البارزة التي حظيت باهتمام مؤسسة راند، وجاءت توصياتها دائما بضرورة دعمه، ففي تقريرها “إسلام حضاري ديموقراطي”، قسمت المجتمع الإسلامي إلى فئات: المتشددين، والتقليديين، والعلمانيين، والمجددين، وأوصت بدعم المجددين للوصول إلى نموذج إسلامي مساير للحضارة الغربية، وكان مثالها الأبرز على ذلك القسم هو فتح الله كولن، لأنه وفقا للتقرير يقدم صيغة لتحديث الإسلام شديدة التأثر بالصوفية، ويركز على التنوع والتسامح واللاعنف، كما أن كولن – وفقا لتقرير آخر بعنوان بناء شبكات مسلمة معتدلة – يعارض تنفيذ الدولة للقانون الإسلامي، ويعتبر الدين مسألة شخصية، وهو ما جعله محل ثناء من قبل المؤسسة.

لقد رأت المؤسسة في كولن وحركته فكرة يجب أن يحتضنها كل المسلمين، لذا كان الرجل محل ثقة القادة الأمريكان اللامعين أمثال كلينتون وجيمس بيكر، ومادلين أولبرايت، وأدرجته المجلات والصحف الأمريكية على رأس قائمة أهم مائة عالم، وهو ما يفسر الدعم الأمريكي لكولن الذي يعتبر في تركيا زعيما للكيان الموازي الذي قاد الانقلاب الفاشل قبل عامين.

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى