مقالاتمقالات مختارة

أفيخاي أدرعي والإسلام منزوع الدّسم!

أفيخاي أدرعي والإسلام منزوع الدّسم!

بقلم سلطان بركاني

نشر الناطق باسم الجيش الصهيوني للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، على حسابه، يوم الجمعة الماضية، تغريدة ينصح فيها المسلمين بالإقبال على الأعمال الصّالحة في العشر الأولى من ذي الحجّة! مستدلا بحديث النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- المشهور في هذا الباب، ولم ينس –كعادته- أن يحذّر المسلمين من الإرهاب والتطرّف الذي يعني في قاموسه مقارعة العدو الصهيونيّ الغاصب! وهي التغريدة التي لقيت –كالعادة استهجان متابعيه الذين أمطروه بوابل من التعليقات التي تنصحه بأن يوفّر نصائحه لنفسه وتذكّره بأنّ أشنع وأوضح إرهاب في هذا العالم هو ذاك الذي يمارسه جيش كيانه في حقّ الفلسطينيين وفي حقّ الأمّة العربية والإسلامية.
دأب أفيخاي أدرعي، الملقّب بجلد الأفعى، على تقديم التهاني للأمّة الإسلامية في مختلف المناسبات الدينية، مستدلا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، واعتاد أن يقدّم تحذيراته للمسلمين من دعم العنف والتطرّف، ومن موالاة حركة المقاومة الإسلامية حماس، الحركة الإرهابية –بزعمه- التي تريد أن تضمّ غزة إلى إيران، وعلى الرغم من الردود الملجمة التي يتلقاها على صفحته تحت كلّ منشور، إلا أنّه لا يتردّد ولا يتراجع، بل يواصل مهمته التي انتدب لها، وهي المساهمة في الترويج للإسلام النّاعم، أو الإسلام منزوع الدّسم، على أنّه الإسلام الحقّ الذي حرفته حركات المقاومة، واللافت في أمره أنّه كثيرا ما يستند إلى فتاوى وأقوال بعض العلماء الرسميين في مصر والسعودية، على اعتبار أنّها تمثّل إسلام الرّحمة، في مقابل فتاوى وأقوال علماء ودعاة يزعم أنّهم علماء فتنة وإرهاب!

هذا الخطاب الذي يتبنّاه أدرعي، هو خطاب مرفوض في الأوساط الإسلاميّة وبين جماهير المسلمين الذين يدركون بفطرتهم أنّه يوطّد لـ”إسلام” يراد له أن يكون بديلا للإسلام الحقّ، لكنّه مع كلّ أسف يتّفق كثيرا مع “الإسلام”الذي تدعو إليه بعض طوائف المسلمين ويروّج له كثير من المحسوبين على العلم والدّعوة، وهي ذاتها النّسخة التي أوصت مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية بدعمها، تارة بالترويج للتصوف، وتارة للمدخلية العلمانية، وتارة للدعاة الجدد الذين يروجون لنسخة مشوهة من الإسلام تصهر الدين الخاتم في بوتقة الإنسانية وتلزم المسلمين مبدأ “من ضرب خدك الأيمن فأدر له الأيسر”! وتجرّد دين الحقّ من حركيته وواقعيته، وتبعده عن السياسة وعن الاهتمام بقضايا الأمّة وواقع المسلمين ومستقبلهم.. نسخة تركّز على المواعظ والرّقائق والأخلاق والآداب، وبعض الشّعائر الظّاهرة، وتزهّد في كلّ ما له علاقة بالتّدافع الحاصل والمستمرّ بين الحقّ والباطل والخير والشرّ.. نسخة تغري المسلمين بأنّ القضية الفلسطينية هي قضية تخصّ الفلسطينيين وحدهم، وفي إمكانهم حلّها مع الصهاينة بالحوار! وهكذا قضية بورما وتركستان والعراق وسوريا؛ فهي –وفق “الإسلام” الجديد- قضايا صراع بين الإرهاب والنظام العالمي الرسميّ، لا تهمّ نتائجه، فالأطراف كلّها على خطأ، وضحايا الصّراع، ليس لهم علينا حقّ آخر غير دعوات مختصرة في خطب الجمعة والعشر الأواخر من رمضان، بأن يفرّج الله كربهم ويحقن دماءهّم!

وعودا على بدء، فإنّ خطاب “أدرعي” ليس بدعا في واقع الأمّة الإسلاميّة، بل إنّ كلماته تكاد تتطابق مع كلمات كثير من المنتسبين إلى العلم والدّعوة، ممّن يضبطون خطاباتهم وفق نزوات بعض الأنظمة في بلاد المسلمين التي تهتمّ بدورها بالعزف على إيقاع ما يريده صاحب البيت الأبيض، وفي أقلّ الأحوال سوءًا تضبط كلمات هؤلاء العلماء والدّعاة ضمن أطر ضيّقة لا تخرج عنها، فتجد العالم أو الداعية يحدّث النّاس ويتوسّع في الحديث عن قضايا بعيدة تماما عمّا يشغل بال المسلمين ويذيب قلوبهم، كأن يحدثهم عن حكم التّصوير أو يرغّبهم في تعدد الزوجات، في الوقت الذي تشرع فيه وسائل الإعلام شاشاتها للشّهوات، وتوضع العقبات على طريق الحلال أمام الشّباب، وفي الوقت الذي تغيّر فيه النظم والقوانين لتتّفق مع ما هو موجود في بلاد الغرب، ورحم الله سلطان العلماء العزّ بن عبد السّلام حينما قال: “من نزل بأرض تفشى فيها الزنى، فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان”، هذا فيمن يسكت عن بيان حرمة الربا ويجبن عن مواجهة القوانين والنّظم التي تروّج له في بلاد المسلمين، كيف بمن يسكت عن قضايا الأمّة المصيرية!

ختاما نقول: من واجبنا أن نتذكر الأيام والمواسم الفاضلة، ونتواصى بالاجتهاد فيها، ونهتمّ بشرائع ديننا وشعائره، لكن ينبغي ألا ننسى أبدا أنّلديننا روحا ودسما، وأنّ الإسلام منزوع الرّوح والدسم، لا يزعج أعداءنا كثيرا.. علينا أن نتواصى بالطاعات والقربات، وأعيننا على مقدساتنا التي تغتصب، وحرماتنا التي تنتهك، ودمائنا التي تسيل.

(المصدر: صحيفة بوابة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى