بقلم إسلام فرحات
يقول ميشيل دانييلي في موقع القناة الثانية الإٍسرائيلية أن الرائد أفيخاي أدرعي (32سنة) الناطق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي: “نجح فيما لم ينجح فيه سواه”. فعن طريق صفحتيه على فيس بوك وتويتر يتواجد يوميا مع 60 مليون متابع عربي. وحتى لو كانوا يهاجمونه فيكفي أن كل هذا العدد يتابع هذا اليهودي من أصول عربية ،فهو من يهود الدرعية بسوريا وتم تجنيده في الجيش الإسرائيلي عام 2001.
بدأ العالم العربي في التعرف على أفيخاي أدرعي أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، بوصفه متحدثا باسم الجيش “الإسرائيلي” ،يظهر على الفضائيات ليدافع عن جيش الاحتلال. وفي تقرير له قال موقع “غلوبس” الإسرائيلي إن القيادة العامة للجيش الإسرائيلي وضعت خطة حاولت من خلالها التواصل مع الشباب العربي، وتم ترشيح “أفيخاي” لتولي هذه المسئولية، والتي رصد لها مبلغ 6 ملايين دولار من أجل تعزيز وجود إسرائيل الالكتروني في العالم العربي.
دلالات الأرقام
على موقع الفيس بوك تحظى الصفحة الرسمية لـ “أفيخاي” بأرقام تقارب منافسة بعض نجوم هذا الفضاء الأزرق، حيث حصلت الصفحة على إعجاب 1194621شخصا، ويتابعه 1181940 شخصا، وهي أرقام بحسب مواقع إخبارية تجاوز بكثير أرقام صفحات ساسة “إسرائيليين” كبار.
لغة الأرقام هنا عاكسة لمجموعة من الدلالات، أهمها أن مواقع التواصل أضحت أحد أخطر ساحات التأثير الاجتماعي والثقافي، وأن “أفيخاي” استطاع بصورة كبيرة النفاذ إلى عمق الحالة الجدلية العربية، بغض النظر عن كونه مؤثرا أو غير مؤثر، صانعا للجدل أو مادة له، المهم أنه أضحى “شريكا” فاعلا في تلك الحالة، وهو ما يرسخ مع مرور الوقت لبدهية وجوده ومن يمثله!!
كذلك فإن قدرة “أفيخاي” على استقطاب كل تلك الأعداد يؤكد نجاحه في تحويل الرفض الشعبي له إلى قبول على مستوى الوجود والنقاش، وهو ما سيستتبعه بالضرورة خطوات أخرى..
وقد عمد “أفيخاي” إلى تلك الاستراتجية عن طريق مجموعة من التكتيكات، منها محاولة التأكيد على المشتركات الجامعة التي يحاول من خلالها الوصول إلى قناعة مفادها: أنا وأنت تجمعنا هموم واحدة. أنا وأنت يجمعنا امل في مستقبل واحد، أنا وانت تجمعنا ربما أصول واحدة!!. ولذا علينا أن نلتقي. أن نتعاون.أن نتقارب. أن نقيم علاقات، وهذا هو الهدف الاهم الذي تسعى إليه “إسرائيل” شعبيا.
فمثلا يشارك “أفيخاي” تقريرا لقناة الحرة عن ذكريات اليهود “الإسرائيليين” مع مصر، ويكتب عليه “أفيخاي” قائلا: “تحظى اللهجة المصرية بشعبية كبيرة لدى الجمهور الإسرائيلي. ويحقق الفيديو على صفحته (64 ألف مشاهدة، 1367 إعجاب، و 137 مشاركة، و 584 تعليق”.
وبغض النظر عن فئات المتفاعلين وتوجهاتهم واللجان الاكترونية الداعمة له، وطبيعة التعليقات ونسبة الهجوم فيها، فإن الحديث هنا عن حالة الزخم نفسها وقدرته على إثارة مثل هذه الأمور التي تصب في خانة “التطبيع الناعم”.
“تكتيكات”
وفي رسالة مصورة، يهنيء “أفيخاي” الامة الإسلامية بعيد الاضحى المبارك، ليؤكد على أن “عيد البهجة والسرور يهل علينا وسط بحر من دماء الضحايا. ضحايا الإرهاب الأسود الذي يرفع شعار الإسلام.. وفي الحقيقة الإسلام منه براء”.
ثم تأتي الرسالة الأبرز.. رسالة الشراكة أمام عدو واحد.. حين يقول “أفيخاي”: نعي همجية هذا الإرهاب، لأننا كإسرائيليين كنا أول ضحاياه”.
هكذا وبهذه السرعة ينقل “أفيخاي” متابعيه لتطبيع من نوع خاص.. تطبيع عاطفي فرضته الظروف.. تطبيع الواقفين معا في خندق واحد أثناء حرب عدوهما فيها واحد.. وبالتالي فإن الظروف تحتم عليهم أن يتعاونوا…
وبنفس الأسلوب لا يترك “أفيخاي” مناسبة من المناسبات الإسلامية تحديدا إلا ويرسل فيها أحر التهاني وأجمل التبريكات لجموع المسلمين والعرب.
محاولة تحليل مضمون تلك التبريكات يكشف عن قدرة فائقة في تمرير رسائل سياسية وثقافية كثيرة داخلها، لم يكن يمكن مطلقا تمريرها “شعبويا” دون هذا التكتيك الذي اتبعه “أفيخاي”.
هكذا يتم التمرير. وهكذا يدس “أفيخاي” السم في العسل، ليدغدغ مشاعر البعض، خاصة أولئك الذين يعانون من هذا الإرهاب، فتختلط لديهم الاوراق ويتناسون أن محدثهم هو صانع الإرهاب في العالم كله، وللأسف يرمي بعضهم المقومين بهذه التهمة البشعة.. فيكونون في خندق واحد مع عدوهم وهم لا يشعرون!!!
ويستمر “أفيخاي” في رسائله حين رد على من يتعجبون من تلك التهاني قائلا: ” بكل الصدق أقول، التهاني والتبريكات التي أوجهها إلى المتابعين، كلها نابعة من القلب، ومن إرادة صادقة في بناء الجسور، وإظهار القاسم المشترك بي”.
فتنة الشيعة والسنة
ويمتد لعب “أفيخاي” على وتر المشتركات إلى الحد الذي يحاول فيه ترسيخ احترامه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأحاديثه، آملا أن ينال من متابعيه مع الوقت الاحترام ذاته لمعتقداته.. وهو ما يصبو إليه كل طالب لمجرد الاعتراف من خصومه!
فينشر عبر حسابه على تويتر تغريدة يقول فيها: كيف تحبون قهوتكم صباح الجمعة؟.. ثم يتبعها بفيديو لبعض جنود “جيش الاحتلال الإسرائيلي” وهم يحتسون القهوة، ثم يكتب حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم عن “التلبينة” ويورده بنصه الصحيح وبرواية السيدة عائشة معقبا على اسمها بعبارة: رضي الله عنها.. ويسأل بعدها في تودد عن طبيعة القهوة التي يحبها متابعوه صباح الجمعة.
الغريب في هذه المشاركة تحديدا ليس في أسلوب “أفيخاي” نفسه، وإنما في طبيعة الاشتباك الذي حدث على البوست بين السنة والشيعة، حيث لعن بعض “الشيعة” السيدة عائشة، فاشتبك معهم السنة، وكلهم من متابعي “أفيخاي”، في حين قال البعض: احذروا فإنها فتنة صنعها “أفيخاي”.
لهذه الدرجة وصل أفيخاي.. ولهذه النقطة وأبعد منها يمكن للكيان الصهيوني أن يلاحق الاجيال القادمة بسياسة النفس الطويل، ليجدوا أنفسهم ذات يوم من حيث لا يشعرون يتحاورون ثقافيا واجتماعيا مع عدوهم.. أو الذي كان يوما ما عدوهم!!
(المصدر: اسلام أونلاين)