مقالاتمقالات المنتدى

أفكار إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية

أفكار إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

  • روابي المستعمرة المنزوعة العقيدة
  • حلم المدن الاستهلاكية كجزء من هندسة إقليمية جديدة
  • حل النزاع عبر اليوم التالي في غزة والضفة

لا تتوقف مراكز التفكير في الكيان الصهيوني عن إنتاج أفكار جديدة بشكل يومي بخصوص أسس التعامل مع القضية الفلسطينية بعد غزوة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، فهناك زخم كبير وتراكم واضح في الأفكار المطروحة بخصوص كيفيات التعامل مع الشعب الفلسطيني المجاهد في غزة والضفة على الهيئة التي تفرغ القضية من مضمونها الرئيسي، وتسهل عملية الاستيلاء على ما تبقى من الضفة الغربية وضمه للكيان المحتل وحشر الشعب الفلسطيني في مساحة صغيرة جدا من الضفة بالإضافة إلى غزة تمهيدا للمرحلة الأخيرة من الترانسفير القسري والطوعي حيث يطردوا إلى خارج فلسطين أو يهاجروا.

والمتابع لمراكز الدراسات الإسرائيلية وشريكاتها الأمريكية والأوروبية يجد أنها تستنفر كل الخبراء من كافة التخصصات لتقديم رؤاهم وأفكارهم حول تحقيق أهداف المرحلة الحالية، والمتمثلة في: استيعاب وتفريغ آثار السابع من أكتوبر وضمان عدم تكرار ذلك ثانية، ونقل مسئولية حل القضية إلى الأنظمة العربية التطبيعية، وذلك من خلال استخدام المدخل الاقتصادي للتخلص من عرب 48 وغالبية فلسطينيي الضفة وغزة، وذلك عبر اجتذاب غالبية الشعب الفلسطيني لحل الحياة الآمنة الرغدة المطمئنة مقابل التخلي عن حقوقه في الأرض وعن تاريخه وعن تهجيره من أرضه وعن مقدساته.

فقد خرج علينا -منذ بضعة أيام-، ميخائيل كوبي، بفكرة يراها مدخلا صالحا لحل جديد للقضية الفلسطينية يلبي احتياجات إسرائيل الأمنية ويحقق أهدافها وأهداف أمريكا الاستراتيجية من وجود الكيان الصهيوني.

وكوبي هو باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وأستاذ زائر في المركز الدولي للشرطة والأمن بجامعة جنوب ويلز في المملكة المتحدة. كما شغل منصب نائب المدير العام ورئيس المكتب الفلسطيني في وزارة الشؤون الاستراتيجية. وكان عضوًا في هيئة التدريس بجامعة بن غوريون (2008-2011)، وعضوًا بارزًا في هيئة التدريس بجامعة أرييل (2013-2015)، وأستاذًا زائرًا في جامعة نورث وسترن في إلينوي (2006-2007) وجامعة بكين في بكين (2017). والذي تتركز اهتماماته البحثية الأساسية، في: حل النزاعات، والاستراتيجية، والأمن القومي، والعلاقات المدنية العسكرية، والدول الفاشلة، وعمليات حفظ السلام وبناء الدولة، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

في المقال الذي نعرضه هنا ونعقب عليه في مقال قادم، يتخذ ميخائيل كوبي خبير النزاعات الإسرائيلي من مدينة روابي نموذجا ومدخلا للحل الذي يقترحه للمسألة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى.

ومدينة روابي تقع في المنطقة ا ضمن نطاق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي مدينة عصرية مبنية على سلسلة من التلال الخلابة شمال القدس ورام الله وتطل على البحر الأبيض المتوسط من الغرب والطبيعة الخلابة من الشمال والشرق، وتأسست بشراكة بين رئيس مجلس إدارة شركة مسار العالمية، بشار المصري الفلسطيني الجنسية، ودولة قطر  وتمثلها مجموعة ديار العقارية، وتتميز بأن كافة مرافقها تدمج بين التراث الفلسطيني وجمالية الحداثة العصرية، فهي مدينة كاملة متكاملة تؤمن لسكانها وزوارها كافة احتياجاتهم على النمط الاستهلاكي الحديث للمدن التي انتشرت في مصر والخليج العربي، وينسج على منوالها محمد بن سلمان في نيوم السعودية على مستوى أوسع وبذخ أكبر بمراحل نتيجة لفارق الإمكانات الرهيب.

من خلال استلهام هذا النموذج يدعو كوبي- في إطار الاستراتيجية الجديدة الجاري وضع اللمسات النهائية عليها بمعرفة أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي بمعاونة دول التطبيع بقيادة العربية السعودية- إلى  بناء مدن عصرية تجمع بين الأصالة والحداثة، وتحقق كل متطلبات الإنسان المستهلك المنزوع التاريخ والهوية والهدف والعقيدة، على غرار روابي في المدن المتبقية من فلسطين بعد إعادة تحديد الحدود بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والأردن الجاري إقرارها بعد توقف الحرب على غزة. ليكون مدخلا للحل الأمريكي المطروح اليوم للقضية الفلسطينية.

ففي دراسته التي نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS على موقعه برقم 1875 بتاريخ 8 يوليو 2024م، يطرح كوبي مدخلا جديدا لإدارة الصراع الصهيوني الغربي للقضية الفلسطينية في سبيل تفريغها من جوهرها وامتصاص أي آثار إيجابية لغزوة طوفان الاقصى.

ينطلق كوبي من فرضية تقول بأن النظام القائم لإدارة الصراع بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، بمبادئه التوجيهية ومظاهره الملموسة، ومحتواه، قد ثبت فشله واستنفد أغراضه، وأن المطلوب هو مدخل جديد ينقل القضية من العملية الثنائية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى نظام إقليمي تقوده إسرائيل والعربية السعودية بمعاونة مصرية وأردنية ودعم خليجي يكون فيه لكل إمارة ودولة دورها ووظيفتها في تجذير الكيان الصهيوني في المنطقة العربية.

ومن أجل تبرير هذا المدخل ونجاعته في التعاطي مع الأهداف الإسرائيلية والأمريكية يقدم كوبي مجموعة من المبررات المتعلقة بحتمية دور السلطة الفلسطينية في هذا المقترح الذي يقدمه، ويحذر من أي محاولات تقوم بها حكومة اليمين الإسرائيلي الحالية لتهميش السلطة في رام الله، لأن هذه السلطة هي المفتاح والأداة المقبولة لما يقدمه من حل اقتصادي للقضية الفلسطينية يحقق الأهداف الإسرائيلية والأمريكية. وهو لذلك يحذر  من احتمال انهيار تلك السلطة، لأنه أمر غير محبذ في هذه المرحلة التي يتم فيها الاعداد لاستراتيجية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية بالتعاون مع الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني.

وهو يرى أن المدخل لتحقيق ذلك كله يتطلب نهجًا مختلفًا عما تم قبوله في الماضي. من خلال تكرار نموذج مدينة روابي في شمال رام الله في الضفة الغربية، حيث يقترح إنشاء مدينتين أو ثلاث مدن فلسطينية في قطاع غزة كجزء من تصميم بنية إقليمية جديدة، وهو يعتبر تحقيق هذا الهدف بسرعة ونجاح سيكون محفزا على إقامة مشاريع إضافية ذات نطاق وأهمية مماثلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يضع الأساس لتغيير النظام الفلسطيني والإقليمي، بما يتجاوز النظام الفلسطيني نفسه، لأن ذلك من شأنه أن يوفر إجابة على سلسلة من التحديات التي سنبينها في الجزء الثاني من المقال.

كيف يتم تحقيق ذلك؟

يقترح كوبي إنشاء مدينتين أو ثلاث مدن فلسطينية جديدة وحديثة بالإضافة إلى البنية التحتية المتطورة لها ، مثل مدينة روابي شمال رام الله، وحتى مدن أكبر، في جبال نابلس، وبين جنين وطولكرم، وفي المنطقتين أ و ب الواقعة تحت السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، ثم تكرار النموذج في قطاع غزة كجزء من عملية إقليمية أوسع نطاقاً نحو تصميم بنية إقليمية جديدة، بعد هدم جميع مخيمات اللاجئين في قطاع غزة كجزء من إعادة تأهيل القطاع، لأن ذلك من شأنه أن يعالج سلسلة من إخفاقات السلطة الفلسطينية، والتحديات التي تواجهها، والمعضلات التي تفرضها على إسرائيل.

وهو يرى أن بناء تلك المدن سيحقق ما يلي:

1-توظيف الفلسطينيين الذين لا يُسمح لهم بالعودة إلى وظائفهم في إسرائيل وتحسين وضعهم الاقتصادي.

2- تحسين البنية التحتية للدولة الفلسطينية وإعادة تنشيطها ككيان أكثر وظيفية وإنتاجية وشرعية.

3- تحسين مستويات المعيشة ونوعية الحياة بشكل ملحوظ لسكان مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس وطولكرم، وإخلاء مخيمات اللاجئين وهدمها، وإعادة تأهيل البنية التحتية الحضرية في مكانها.

4- تنشيط الاقتصاد الفلسطيني من خلال تعزيز القطاعات ذات الصلة في مجال البناء.

5- إعداد بنية تحتية جديدة للاتصال بالبنية التحتية الإقليمية ضمن الهيكل الإقليمي الجديد، بما في ذلك النقل والطاقة والمياه ونقل البضائع.

6- إتاحة المقارنة للشعب الفلسطيني الذي يعاني بين السلطة الفلسطينية وحماس: السلطة الفلسطينية كعامل متكامل في عملية التسوية الإقليمية، بدعم من المجتمع الدولي وإسرائيل، مما يؤدي إلى تحقيق المصالح الحيوية للشعب الفلسطيني والدولة المستقبلية، مقابل حماس باعتبارها غير شرعية وتعيق تقدم المصالح الأساسية للشعب الفلسطيني وتعمل كعامل زعزعة للاستقرار.

7- تغييرات هيكلية عميقة داخل السلطة الفلسطينية، تمكن من مستويات أعلى من الأداء الوظيفي والمسؤولية والمحاسبة، وتهيئة الظروف للسيطرة الفعلية للسلطة الفلسطينية على أراضيها في البداية، وفي وقت لاحق في قطاع غزة بعد تفكيك أنظمة الحكم الإدارية والعسكرية لحماس وحرمانها من القدرة على التعافي.

8 – معالجة قضية اللاجئين، والحفاظ على المطالبة الفلسطينية بذلك بشكل مختلف. من خلال إعادة بناء مفهوم “حق العودة” حتى لو لم تعلنه القيادة الفلسطينية علناً. من خلال حل قضية اللاجئين داخل الدولة الفلسطينية المستقبلية وفي الإطار الإقليمي والدولي، ورفض فكرة حق العودة لدولة إسرائيل ذات السيادة.

9- إعلان إسرائيلي بشأن أفق سياسي يتوافق مع فكرة الدولة الفلسطينية، دون التقيد بزمن محدد، بل تعتمد على الأداء وعمق التغييرات داخل السلطة الفلسطينية، ومن ثم فتح الباب لإعلان السعودية التطبيع الرسمي مع إسرائيل الذي تأخر إعلانه بسبب طوفان الأقصى، ومن هنا تنتقل القضية الفلسطينية من مسئولية الاحتلال إسرائيلي إلى  مسألة إقليمية وجزء من المسؤولية المشتركة.

10- تحويل الجهود نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من المستوى الثنائي، الذي استنفد ولم يعد الطرفان قادرين على سد الفجوات بينهما، إلى المستوى الإقليمي المتعدد الأطراف. ومن شأن هذا المستوى أن يخلق فرصاً جديدة، ويشجع على تشكيل نهج وآليات وأنماط عمل جديدة غير موجودة على المستوى الثنائي في مجال حل النزاعات، وهو يشير إلى هذا بـمفهوم “توسيع الفطيرة”.

11-هذه الرؤية من شأنها أيضاً أن تخدم في مواجهة المحور الإيراني.

هذه هي رؤية كوبي المجملة، فماذا تحمل في طياتها من معالم الخطة التي يجري إعدادها في وزارة الشئون الاستراتيجية والدعاية الإسرائيلية والمجموعة الاستشارية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بالمشاركة مع الاتحاد الأوروبي ودول التطبيع العربي؟

نحاول بيان ذلك في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى