مقالاتمقالات مختارة

“أعدموا الإسلاميين!”.. كيف فضحت الثورات تناقضات اليسار العربي؟

“أعدموا الإسلاميين!”.. كيف فضحت الثورات تناقضات اليسار العربي؟

بقلم سليم بلقسام

يوم بعد يوم نشد الرحال صوب الشرق بحثا عن طبق يسد رمق ونهم جوعنا الفكري والثقافي. لكن للأسف لم نجد إلا التصحر الفكري الذي اجتاح العالم العربي عامة وبمصر بصفة خاصة حيث أصبحت أخبار الموت والإعدامات تتصدر واجهة وعناوين الصحف وشاشات التلفزيون الذي تحول بيدق بيد سلطة العسكر والمتستر على سفك دماء الأبرياء وقتل روح العدالة قبل إنهاء حياة العشرات من أبناء البلد الواحد.

مثَّلَ الانقلاب الحاصل في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي فرصة كبيرة واختبار شائك لدعاة الديمقراطية والحرية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية بالوطن العربي. الوطن العربي الغارق منذ القرن السابق في ديكتاتورية متواصلة وإن اختلفت وتنوعت من ملكية إلى عسكرية، أكلت الأخضر واليابس جاثمة لسنين طويلة على جسم المواطن العربي البسيط الحالم بنقطة واحدة من الديمقراطية والحرية في بحر حالك من الظلمات. تنوعت التيارات السياسية والفكرية وظهرت على الساحة تيارات يمينية ممثلة بالأساس بالإخوان المسلمين والتيار معادي له فكريا المتمثل بالتيار اليساري الحالم بوطن عربي ديمقراطي وحر بعيدا على سلطة الدين ودولة الخلافة المزعومة.

استمد اليسار العربي سلاحه في مواجهة الاخوان المسلمين من خلال ما تطرحه أدبياته ومرجعية الفكرية التي تبحث عن تحقيق العدالة وبناء وطن ديمقراطي وحر يكون فيه الانسان متمتع بجميع حقوقه كما كان لعقوبة الإعدام حيز كبير من الاهتمام والنضال من أجل إلغائها من المجلة الجزائية استنادا لحق الفرد في محاكمة عادلة أولا وحق العيش ثانيا. عقوبات الإعدام الصادرة في حق قيادات الإخوان المسلمين أو حتى المتعاطفين في مصر، كشفت زيف الشعارات المرفوعة دائما من طرف الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية التي تتخذ الديمقراطية مصدر وجود وظهور بالمشهد السياسي لها.

منذ لحظات الأولى للانقلاب العسكري بمصر، خرجت العديد من الأصوات السياسية من المحيط إلى الخليج تبارك هذا الفعل الشنيع والفظيع والذي خلناه قد ولى وانتهى منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، إذ كان حلم الشباب العربي لفظ كل أشكال الديكتاتورية والانطلاق في بناء أوطان ديمقراطية تتنوع بها الأفكار والأطروحات لكن يظل الصندوق هو الفيصل في تحديد الصاعد لسدة الحكم. لكن للأسف، أصبح نشاهد دعاة الديمقراطية يهللون أولا لكل فعل لا ديمقراطي يؤسس لديكتاتورية عسكرية جديدة، وثانيا يباركون لهدر دماء المصريين لا لشي ذنبهم الوحيد هو الاختلاف.

تعددت واختلفت التعريفات لعالم السياسة من أنها فن الممكن إلى السياسة لعبة قذرة كما ورد على لسان الرئيس التونسي السابق الدكتور محمد منصف المرزوقي، أما أن تكون السياسة فضاء للإلقاء بكل المبادئ والقيم ضرب الحائط فإنما قل وإن وجدنا هذا التعريف رغم أن في عالم السياسة كل شيء ممكن. جاءت الأحكام القضائية الأخيرة لتزيد من قتامة المشهد المصري من جهة حيث أصبح في نظر السيسي ونظامه كل إخواني ولو كان في عمر الزهور لا حق له بالعيش، إما الموت اليومي وراء القضبان ظلما وبهتانا أو الموت بالإعدام في ضرب لكل الأعراف والمواثيق الدولية.

وإن كانت هذه الأحكام غير مفاجئة عندما تصدر من الأنظمة العسكرية المعتادة على الغطرسة وزهق الأرواح، فإن التفاعل وردود الفعل الفاقدة لكل معاني الإنسانية من جانب ومن جانب أخر إثبات نفاق النخبة السياسية كانت صادمة كثيرا، فلطالما نادت هذه النخب المتشبعة بروح الثورات الغربية بإلغاء الإعدام نجدها الأن تبارك وتساند هذا الحكم والسبب واضح لا يحتاج لأي تفسير أو تحليل. فالصراع الإيديولوجي أو الحقد الأيديولوجي الدفين لا يزال يسكن ويسيطر على عقول وقلوب بعض التيارات السياسية في تعاطيها مع القضايا المفصلية ذات أبعاد ذو منحى قيمي ومبدئي.

الانحياز الفاضح لسلطة العسكر والتبرير لجرائمه الدموية منذ الانقلاب على شرعية الصندوق والفعل الديمقراطي هو مسلسل جديد من مسلسل السقوط نحو الهاوية للأحزاب ذو مرجعية يسارية فلطالما انحازت عن مرجعيتها الأم في نصرة المظلومين والبحث عن العدالة بشقيها الاجتماعي والقانوني وابتعادها عن سدة الحكم بقرار جماهير خير دليل على فشل قراراتها المتخذة خاصة بعد هبوب رياح الربيع العربي على المنطقة خاصة بتونس ومصر حيث تحالفت التيارات اليسارية مع الثورة المضادة في الانقلاب على الديمقراطية وافرازات صناديق الاقتراع بعد سنين من الانتظار من أجل بناء أوطان عربية ديمقراطية وحرة.

العديد من التيارات السياسية الديمقراطية في تونس كانت ولا تزال تحارب من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في تونس، لكن من جهة ثانية فإنها تهلل وتبارك لأحكام الإعدام في حق إخوان مصر من طرف القضاء السيساوي. هكذا تموت الإنسانية والرحمة من قلوب البشر من أجل اختلافات الفكرية والسياسية ومن يهلل من أجل إراقة دماء شباب في عمر الزهور فهو بالتأكيد يحمل بداخله جينيات الإجرام والإرهاب.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى