اسم البحث: أصول ومبادئ التعامل مع السنة المشرفة.. من عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وحتى عصر ابن القيم (ت 751 هـ) .
اسم الكاتب: أ. د. محمد أبو ليث الخيرآبادي.
الناشر: مجلة وحدة الأمة – الهند.
ملخص البحث:
لاحظنا من خلال هذا البحث أن الأمة الاسلامية من عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وحتى عصر ابن القيم (ت 751 هـ) قد تعاملت مع السنة وتراثها بما ناسب وضع السنة في حينها، فالصحابة تلقوا السنة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالحضور الشخصي في مجالسه وخطبه أو بالسماع ممن حضرها، ثم حفظوها في الصدور والسطور، وطبقوها في حياتهم العملية، وهذا هو كان التعامل الأنسب لوضع السنة آنذاك.
وبعد لحاقه (صلى الله عليه وسلم) بالرفيق الأعلى تطلب الوضع منهم تبليغ السنة الى من لم تبلغهم، ونشرها في العالم بكل صدق وأمانة، وعدم قبولها الا بالتثبت من صحتها، فوضعوا لذلك بعض الأسس النقدية مثل: 1- طلب الشاهد من الراوي على روايته 2- أو استحلاف الراوي على صدق سماعه 3- عرض السنة على القرآن 4- أو على السنة المعروفة لديهم 5- أو على العقل أحياناً. الى أن وقعت فتنة مقتل سيدنا عثمان (رضي الله عنه) سنة 35 هـ، وما نتج عنها من انقسامات واختلافات في صفوف الأئمة، وظهور مذاهب مبتدعة.
وقد واجهت السنة ظاهرة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والوضع في الحديث بنطاق واسع، مما جعل الصحابة وغيرهم من التابعين الكبار على حذر في تعاملهم مع مرويات الناس الحديثية، وتحفظ عند ذلك بشدة التثبت والاستيثاق من الخبر، فهنا وضع حجر أساس علوم الحديث، من الاعتماد الى السند، والاحتياط في تلقي الحديث، وتقسيم الحديث الى المقبول وغير المقبول، وفنون الاسناد، وجرح الرواة وتعديلهم، وعلم علل الحديث، وغير ذلك من العلوم، بجانب تنشيط حركة تدوين السنة، فدونت في المسانيد والجوامع والسنن والمصنفات والموطآت والمعاجم والمستدركات والمستخرجات والأجزاء والموضوعات، وغيرها من صنوف المؤلفات في الحديث.
ثم واجهت السنة مشكلة أخرى خطيرة، ألا وهي مشكلة انكار السنة، قام بحملتها أعداء الاسلام، بحجة وجود أحاديث متعارضة في كتب الحديث، وعجزهم عن التعامل السليم معها، فاقتضى الأمر الحدّ منها، فنشأ عقب ذلك علم جديد “علم تأويل مختلف الحديث” على يد الامام الشافعي رحمة الله (ت 204 هـ)، وعقب احتكاك الأمة بثقافات أجنبية وآراء فلسفية تعرضت السنة وأهلها لهجمات شرسة من قبل الملحدين فراحوا يطعنون المحدثين ومناهجهم، وبدأوا يردون من الأحاديث الصحيحة ما لا يدخل في عقولهم المادية، خاصة ما تعلق منها بأمور الغيب من الملائكة والجن والجنة والنار، فقام لهم امام عصرهم ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ) ففند آراءهم، ورد أباطيلهم في كتابه “تأويل مختلف الحديث”، وتبلور هذا العلم، وأخذ حيزه المناسب على يد الامام الطحاوي (ت 321 هـ) فألف كتابين فيه “شرح معاني الآثار” و”بيان مشكل الآثار”، فجمع فيهما أكبر عدد ممكن من الأحاديث التي في ظاهرها تعارض، أو فيها اشكال، وأزال منها الاختلاف، وحل الاشكال بما جادت به معارفه وقريحته.
ثم توقف التعامل مع السنة بالنظر الى المتن الى أن جاء الامام ابن الجوزي (ت 597 هـ) فجمع في كتابه “الموضوعات الكبرى” بين الكلام على الحديث سنداً ومتناً، فكان ينقد الحديث أولاً من خلال الاسناد، ثم يعقبه – غالباً – بنقد متنه، والحكم عليه بالوضع متبعاً فيه مقاييس النقد التالية: 1- مخالفة الحديث للقرآن 2- مخالفته للحديث الآخر المعروق الثابت 3- مخالفته للأصول الشرعية أو مقاصد الشريعة 4- مخالفته للوقائع التاريخية 5- ركاكة لفظ الحديث وبعد معناه 6- اشتماله على أمر منكر أو مستحيل.
ثم جاء بعده بقرن ونصف قرن الامام ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) فطبق تلك المقاييس بجرأة على بعض الأحاديث التي أسانيدها صحيحة، وحكم عليها بالوضع، كل ذلك بالنظر الى متونها، وان لا يخلو بعضها من الكلام عليها من خلال أسانيدها، وذلك في كتابه “المنار المنيف في الصحيح والضعيف”.
وهكذا خلف أسلافنا ثروة هائلة من التراث في السنة، وقدموا لنا أروع وأسمى مناهج التعامل معه، لا لنفتخر به ونتغنى بأمجاده، وانما لنجعله أسوة نتأسى بها، وقدوة نقتديها، ونتعامل مع السنة وتراثها تعاملاً حياً باحياء المفيد الصالح، وتنمية الجيد النافع، ولا يتم ذلك الا بالتعامل معها تعاملاً شمولياً ناظراً الى ملابساتها وظروفها، وأسبابها وعللها، ومقاصدها وغاياتها، وبذلك سوف نتمكن – ان شاء الله – من مجاراة العصر وتقنياته، ونتعدى عراقيله وصعابه بأمن وسلام.
وهذه الدراسة.. تحاول تقديم أصول ومبادئ لحفظ التراث في السنة، بهدف ربط صلة هذه الأمة بتراثها في السنة المشرفة، وما انبثق عنها من علوم، وتنبيهها الى أهميته، وتذكيرها بأن دور التراث لم ينته بعد، وان الكثير في الجوانب النافعة والمفيدة التي لا بد من تنميتها واحيائها والحفاظ عليها والاستفادة منها من خلال خطة عمل منهجية فعالة تيسر سبل الاطلاع على التراث الثقافي والفكري الاسلاميين.
والباحث يقدم عبر هذه الدراسة أصولاً لحفظ تراث السنة في بدايتها، ثم كيف تطور هذا الحفظ حسب تطور الحالات والظروف، لنتخذ من قدوة في تعاملنا مع التراث النبوي، ونجعله مصباحاً نستضئ به، وطريقاً نستهديه فيما يواجهنا من المسائل والمشكلات في حياتنا، وفي مستقبل حياتنا.
ولقراءة البحث كاملاً يرجى الاطلاع على مجلة “وحدة الأمة” الهندية.