مقالاتمقالات مختارة

أصحاب الحداثة المزيفون فكريا!

أصحاب الحداثة المزيفون فكريا!

بقلم د. أحمد عجاج

توجد جماعة ليست، تاريخيا، جديدة، لكنها تتمظهر الآن بثوب جديد، وتتقمص دور العارف بقصور الأمة، والمطلع على سنن التخلف!

هذه الجماعة تبدأ فورا، كما بدأ كبار قبلها في بداية القرن العشرين، لكن هذه المرة من دون عمق، وبلا سعة معرفية!

تبدأ بالقول أن السبب في تخلفنا هو تغييب عقلنا، وقبولنا بالثقافة النقلية، وإيماننا الغيبي!

وترى هذه الجماعة أن الحل بتنشيط العقل، والتشكيك بالثقافة النقلية استعدادا للتخلص منها، وكذلك إعادة تسييد العقل أو جعله الحكم الأوحد على الإيمان الغيبي!

هذه الوصفة السحرية تتطلب حسب رأي الجماعة قراءة معينة لنصوص القرآن، ومنهجية معرفية شاكة في الحديث؛ وبذلك يتحول القرآن عندها لنص تاريخي أي صالح لمرحلة زمنية معينة، ويجب لذلك تغيير النص أو إعادة فهمه ليناسب العقل المرحلي والزمني، والبيئي! وتأسيسا على ذلك يمكن حسب رأي الجماعة رفض الحديث لأنه متناف مع العقل ولأنه كذلك ليس مهما مقابل النص القرآني!

إزاء هذا المنطق تسقط الثقافة الاسلامية، ويتهلل النص القرآني، ويغور الحديث، ويصبح البديل لهذه الجماعة اللحاق بالحداثة!

والحداثة لها مفاهيم عدة لكن الأثبت أنها تلك الهادفة إلى نقل الانسان إلى مرحلة حياتية وثقافية وعلمية أفضل من تلك التي يعيشها! هذه المرحلة بالنسبة للجماعة التي أتحدث عنها هي الغرب لأنه تطور في كل المجالات! لهذا قال طه حسين بجرأة وشجاعة تنقص الجماعة الراهنة أنه يجب أن نقلد الغرب ونتخلى عن ثقافتنا الاسلامية وكذلك قال أتاتورك ونفذ قوله بالقوة!

هذه الجماعة الجديدة تختلف عن سابقاتها لأنها عن غير وعي، ولربما عن سطحية واضحة لصيرورة الغرب، وتقلبه الثقافي والاقتصادي والعلمي، تريد أن تجعل من الجماعة المسلمة جماعة حداثية أخرى لا لشيء سوى مزاحمة الغرب في التكنولوجيا والاقتصاد والقوة والسؤدد! أو لأنها ترى فيه نموذجا قل نظيره!

إن الشيء الذي لا تعيه تلك الجماعة هو أن نقل العلم ليس ضرورة أن يستوجب استصحاب الثقافة المنتجة له؛ فالصين أصبحت متطورة ولم تتبن ثقافة الغرب! وروسيا الشيوعية نافست الغرب وبثقافة مختلفة؛ وكوريا الجنوبية أسست صناعات مركزها ثقافتها! ومع ذلك لا أحد يطالب بحداثة كورية ولا صينية ولا شيوعية!

ما لا تفهمه تلك الجماعة أن قضية التخلف لا تكمن في التأخر العلمي بل تكمن في المعيار الأخلاقي. هذا المعيار هو الذي يحدد مفهوم الحضارة.

فالغرب نما علميا لكنه اخترع الأسلحة المدمرة، واستخدمها في أبشع صور ونصب نفسه حاكما للعالم؛ والشيوعية الستالينية دمرت ملايين البشر باسم العدالة والجنة الموعودة، والجمهوريات القومية الصاعدة الآن في الغرب تهدد فترة السلام التي عاشها!

لعل ما تجهله تلك الجماعة أن ما تعيشه من مشاكل وتقهقر سببه نظامها السياسي المشوه للثقافة الإسلامية، ونظامها التعليمي المفكك لدينامية الفهم، ونظامها الاقتصادي المستورد والمشوه.

إن الثقافة الاسلامية ليست نصا مقدسا بل هي نتاج تفاعل بين الجماعة، وبقدر ما تلتزم تلك الجماعة بالمعيار الاخلاقي القرآني، بقدر ما تصبح جماعة أخلاقية! فالجماعة الأخلاقية هي ركن أساس في الحضارة وبدونها لن تتأسس حضارة، وما نشاهده في عالمنا الحداثي دليل صادق على ما نقول.

(المصدر: موقع المنهل)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى