مقالاتمقالات مختارة

أحمد الشريف يكتب: الجامعة الإسلامية مشروعنا المفقود

أحمد الشريف يكتب: الجامعة الإسلامية مشروعنا المفقود

الفضيل بن عياض، عبد الله بن المبارك، أبو حامد الغزالي، جلال الدين الرومي، بديع الزمان النورسي، جمال الدين الأفغاني، مصطفى السباعي، وروجيه غاوردي..

هذه الأسماء التاريخية المرموقة في التراث الإسلامي القديم والمعاصر، هي الشخصيات التي اختارها الشيخ محمد سعيد رمضان البلوطي للحديث عنها في كتابه الماتع (شخصيات استوقفتني)

والكتاب في مجمله جيّد ومفيد، يذكر فيه الشيخ جميع الشخصيات بإِيجابيّة كبيرة وتحليل عميق فيما عدا السيد جمال الدين الأفغاني!.

وقد تناول شخصيته في ١٣ صفحة فقط من كتابه الذي قاربت صفحاته الـ ٢٥٠ صفحة!.

ووجه إليه اِتّهامات عديدة منها تشيّعه وإيرانيته ثم اعتناقه البهائية وفساد عقيدته وختم بماسونيته وعمالته للإنجليز!.

وللأسف يستدل البعض للطعن في الأفغاني بذلك الكتاب على #طريقة “يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة”!.

فيذكرون كل الاتهامات التي أثارها البلوطي كأنها الرأي القاطع للشيخ ويتركون تعقيبه في نهاية هذه الصفحات التي قال فيها الشيخ «إن تضافر كل هذه الاِتّهامات يقف أمام مواقف الأفغاني ومقالاته، التي كان جميعها يدور على محورٍ من الدعوة الحارّة إلى جمع كلمة المسلمين ونبذ أسباب الفرقة.. والرد بمنطقٍ بليغ وحجة دامغة على من يمجدون التعصب للوطن ويحطّون من شأن العصبية الإسلامية، فيرميهم بالغفلة وبأنهم أبواق المُستعمِر الذي يحاول توهين العصبية الدينية، ليقطع الرابطة التي تجمع بين شعوبها»!.

[شخصيات استوقفتني، ص١٩٠]..

ويصل الشيخ البلوطي في النهاية إلى غموض حياة الأفغاني فلا يبرئه من التُّهم السابقة ولكنه أيضاً لا يقطع بإدانته، بل يترك الحكم للدراسة والبحث الموضوعي عن الرجل!.

ومن الجدير بالذكر هنا أن طريقة اجتزاء كلام البلوطي للطعن في الأفغاني بأخذ أوله مع ترك آخره هو نفس ما صنعه البلوطي بالمصادر التي رجع إليها في كتابه!.

فقد ذكر الشيخ البلوطي رجوعه إلى كتاب حاضر العالم الإسلامي في أكثر من موضع، منها عند التدليل على أن الأفغاني كان إيرانياً شيعياً!.

فلما ذهبت ذهبت إلى الكتاب في الموضع الذي أشار إليه البوطي في كتابه وجدت النص الآتي:

«ولد السيد جمال الدين الأفغاني في “أسد آباد” بالقرب من همذان في بلاد فارس، وهو أفغاني الأرومة لا فارسي، يتحدر نسباً، من العترة النبوية الطاهرة، ويجري في عروقه الدم العربي البَحْتُ الكريم»!.

[حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد، مع تعليقات وحواشٍ لأمير البيان شكيب أرسلان، ج١، ص٣٠٥ – طبعة دار الفكر بيروت، سنة ١٩٧٣م.]..

فعلمت أن الشيخ البلوطي أخذ أول السطر وترك آخره!.

وعموماً قد تطرقت إلي هذه النقطة في المقال السابق تحت عنوان؛ إيراني أم أفغاني تلك هي المعضلة؟!.

وهنا لكي نصل إلى عنوان مقال اليوم لابد من وقفة مع كتاب “حاضر العالم الإسلامي”، الذي أهدانيه الشيخ البلوطي رحمه الله على غير إرادة منه؟!.

فللكتاب سحر خاص يجبرك على مطالعته حتى تتمه!.

فهو مزيج بين غزارة المادة وعمق الفكر مع فصاحة اللغة وسهولتها.

والكتاب متنوع الموضوعات وللسيد جمال الدين الأفغاني نصيب وافر فيه، ويظهر ذلك في أول الكتاب حيث قال المؤلف:

«كنت ألاحظ في أثناء جمع مادة ترجمة السيد جمال الدين الأفغاني وسيرته، أن الرجل ما دخل بلداً إلا وأشعل النار فيه، ودكّ العروش عنده كدكّ الخيام، فجمعت كل ما استطعت جمعه من الأقوال فيه بجميع اللغات الأوروبية ونخلته فإذا به أكبر ثائر عقلي في المسلمين في القرن التاسع عشر».

[مقدمة الطبعة الثالثة، ج١،ص٦]..

وفي داخل الكتاب يعرّف المؤلف الجامعة الإسلامية بمعناها الشامل قائلا: «إنما هي الشعور بالوحدة العامة، والعروة الوثقى لا انفصام لها بين جميع المؤمنين في المعمور الإسلامي، وهى قديمة بأصلها منذ عهد صاحب الرسالة، أي منذ شَرَعَ الرسولُ يجاهدُ فالتف حوله المهاجرون والأنصار معتصبين معه بعاصبة الإسلام لقتال المشركين، وقد أدرك محمد صلّى الله عليه وسلم خطورة الجامعة وعظيم منزلتها في قلوب المسلمين حق الإدراك، فغرس غريستها بيديه في نفوسهم، فنمت وامتدت جذورها وبسقت أغصانها وينعت ثمارها، فقد كرّ عليها أكثر من ثلاثة عشر قرناً، فما أوهن كرور هذه القرون من الجامعة الإسلامية جانباً ولا ضعضع لها كياناً، بل كلما تقادم عليها العهد ازدادت شدة وقوة ومنعة واعتزازاً.

حقاً إن الجامعة اليوم بين المسلم والمسلم لأقوى منها بين النصراني والنصراني..

ولا ينكر أن المسلمين يتقاتلون بعضهم مع بعض قتالاً شديداً، بيد أن هذا الجدال ليس له من الشأن أكثر مما لأحقر نزاع ينشأ بين أفراد الأسرة الواحدة، المشتبكة الأرحام.

إذ لا حقد في الإسلام فعند الشدائد، تذهب الأحقاد من بين المسلمين، ويتألبون جموعاً متراصة متماسكة لقتال العدو المهاجم وردّ الخطر الداهم»..[ج١، ص٢٨٨].

ثم يضيف عن أبرز الجهود المبذولة لإحياء الجامعة فيقول:

«كان مبدأ سير الجامعة السير المنظم، حوالي منتصف القرن التاسع عشر، إذ كان للجامعة أُسَّان قامت عليهما، وهما:

الطرق الدينية الحديثة النظام كالطريقة السنوسية الجهادية،

والدعوة التي قامت بها فرقة من جلة العظماء وأكابر المفكرين الحكماء، يرأسها السيد جمال الدين الأفغاني».

[المصدر السابق، ص ٢٩٥]..

ثم شرع المؤلف في الكلام عن الطريقة السنوسية وتاريخها وجهادها لنشر دين الله في أفريقيا الغربية وغيرها من بلاد العالم، فاستوفاها بعض حقها في روعة وإحكام –ولهذا حديث آخر بإذن الله تعالى– ثم تطرق إلى الأُسِّ الثاني للجامعة الإسلامية

وهو الدعوة الكبرى التي قام بها جمال الدين الأفغاني، وتبيان الفرق بينه وبين الطريقة السنوسية، من خلال تحليله لشخصية الأفغاني قائلاً:

«كان جمال الدين سيّد النابغين الحكماء، وأمير الخطباء البلغاء، وداهية من أعظم الدهاة، دامغ الحجة قاطع البرهان، متوقد العزم، شديد المهابة!.

فلهذا كان المنهاج الذي نهجه عظيماً، فبلغ من علوّ المنزلة في المسلمين، ما قلّ أن يبلغ مثله سواه!.

وكان سائحاً جوّاباً طاف العالم الإسلامي، وجال غربي أوروبا، فاكتسب علماً راسخاً، وأعانه ذلك على القيام بجلائل الأعمال..

وكان جمال الدين داعياً مسلماً كبيراً، فكأنه على وفور استعداده ومواهبه إنما خلقه الله في المسلمين لنشر الدعوة فحسب، فانقادت له نفوسهم، وطافت متعاقدة من حوله قلوبهم..

وكان يختلف عن “السنوسي” منهاجاً، فجمال انكب علي السياسة وشؤونها، وذاك على علوم الدين وترقيتها»..

وأضاف في نهاية هذا الوصف الخبير الماتع:

«جمال الدين الأفغاني كان أول مسلم أيقن بخطر السيطرة الغربية المنتشرة في الشرق الإسلامي، وعرف عواقبها، إذا لبث الشرق الإسلامي على حاله التي كان عليها، فهب يضحي نفسه ويفني حياته في سبيل إيقاظ العالم الإسلامي، وإنذاره بسوء العاقبة»!..

ثم يدلل المؤلف علي وجهة نظره بذكر ملخص لتعاليم جمال الدين الأفغاني ومنها:

«العالم النصراني على اختلاف أممه وشعوبه عرقا وجنسية، هو عدو مقاوم مناهض للشرق على العموم، وللإسلام على الخصوص، فجميع الدول النصرانية متحدة معا على دك الممالك الإسلامية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً..

ولهذا يجب على العالم الإسلامي أن يتحد اتحاداً دفاعياً عامّاً، مستمسك الأطراف وثيق العُرَى، ليستطع بذلك الذياد عن كيانه ووقاية نفسه من الفناء المقبل..»!..

#الأفغاني_وتلاميذه_بين_الحقيقة_والافتراء

#قراءة_التاريخ_أول_درجات_سلم_الوعي ..

وسوف نكمل بإذن الله تعالي لإزالة اللبس حول علاقة الأفغاني بالماسونية وأيضاً دراسة ما جري بينه وبين السلطان عبد الحميد وكيف انقلبت المودة إلي جفوة وخصام فإلى المقال القادم بإذن الله!.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى