اسم الكتاب: أحكام التأديب في الأسرة والتعليم… دراسة فقهية مقارنة.
اسم المؤلف: سناء حسن هدلة.
عدد الصفحات: 304 صفحة.
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
نبذة عن الكتاب:
أضحى الاستهتار واللامبالاة والانهيار القيمي والانحدار الأخلاقي سمات لجيل اليوم، مما جعل من استدعاء التأديب ضرورة ملحة لإعادة الأمور إلى نصابها مرة أخرى، وهو ما أكدت عليه الباحثة سناء حسن هدلة في بحثها المعنون بـ (أحكام التأديب في الأسرة والتعليم دراسة فقهية مقارنة) والذي حصلت من خلاله على درجة الماجستير في الدراسات الفقهية.
وتأتي هذه الدراسة لتقدم رؤية فقهية مقارنة حول أحكام التأديب في الأسرة والتعليم كوسيلة أولى للرقي الخلقي والجدية والإيجابية ، فتفصل البحث في مفهوم التأديب ومتعلقاته وأسسه الفقهية، وتتناول أطراف عملية التأديب من مؤدِّب- كالوالدين والمعلم .. – ومؤدَّب – كالولد المذنب والزوجة الناشز – وكذلك أنواع التأديب من واجب ومباح ، أسري ومدرسي ، إيجابي وسلبي ، وقائي وزاجر ، نفسي وجسدي . وتبين أسباب التأديب كالتأديب في حقوق الله وحقوق العباد والتأديب من أجل الفضائل الاجتماعية وغير ذلك .. وتوضح أساليب التأديب بين نفسي – كالتوبيخ واللوم والهجر .. – وجسدي – كالضرب – مع بيان آثار التأديب الإيجابية وفوائده الجمة باعتبارها هدف المؤدِّب وكذلك آثاره السلبية التي يمكن أن تنجم عنه لتفاديها. فالعقاب ليس مقصوداً لذاته ، بل لكونه تربوياً في مآله، وإنما الهدف هو تنمية بذور الفطرة السليمة في الطفل منذ نعومة أظفاره ، والعمل على توجيه بواعث الخير في نفسه ، وتنمية الاتجاهات الإيجابية لديه، وتعويده على التَّحكّم بعواطفه وضبط انفعالاته، والسمو بغرائزه وتنظيمها وتوجيهها، بهدف تنشئة جيل ناجح واع خلوق، محاطٍ بسياج من التَّربية والأدب
الأدب والتأديب
استهلت الباحثة مؤلفها ببيان تعريف كل من الأدب والتأديب – لغة واصطلاحا- وبيان الفرق بينهما، فالأدب في اللغة: (الأدب) في اللغة مصدر أدُبَ بضم الدال كـ (حَسُنَ) و(التأديب) مصدر أَدَّب – بتشديد الدال – تأديباً، وأصل مادة الكلمة (الهمزة والدال والباء) تدل على معنى واحد تتفرع عنه مسائله، وترجع إليه، إذ هو بمعنى «الجمع والدعاء» يقال: أَدَبَهم على الأمر، أي: جمعهم عليه، ومنه سُمي حُسْنُ الخلُق أدباً؛ لأنه أَمرٌ قد أُجْمِعَ عليه وعلى استحسانه، ولذا قيل: للصنيع يصنعه الرجل فيدعو إليه الناس مدعاة ومأدُبة لأن فيه اجتماعاً على الطعام.
فهذا المعنى هو ما يدل عليه أصل وضع الكلمة في لغة العرب، ومع هذا فإن اشتقاق الاسم منه وفقاً للمعنى اللغوي مختلِف المراد، إذ أنَّ المقصود بـ(الأدب) يختلف عن المراد بـ(التأديب)، فـ (الأدب) كلمة تقع «على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل»، إذ أنه يؤدب الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح.
وأما (التأديب) فهو التعليم والمعاقبة على الإساءة يقال: أدَّبه أي علَّمه الأدب، وعاقبه على إساءته؛ لأنه سبب يدعو إلى حقيقة الأدب و(التأديب) لفظ يدل على المبالغة والتكثير، وعلى هذا فإن (الأدب) هو رياضة النفس، وجمع محاسن الأخلاق، والاتصاف بها، وأن (التأديب) لفظ يطلق على تعليم الأدب، وتلقين فنونه، والدعاء إليها مع المعاقبة على سوء التصرف فيها.
التأديب عند الفقهاء
أما في الاصطلاح الفقهي، فلا يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن مدلولها اللغوي المتقدم الدال على معنى رياضة النفس، وتعليمها، ومعاقبتها على الإساءة، إلا أنه يلحظ مع هذا كلِّه أن للفقهاء اتجاهين في بيان المراد من التأديب، وهناك اتجاهين في هذا التعريف، الاتجاه الأول: تعريف التأديب على أنه مصطلح مستقل، يدل على معنى خاص، ينفرد به، ولا يشترك معه غيره، ومن هذه التعريفات التي يصدق عليها هذا الاتجاه: تعريف ابن قدامة – رحمه الله – حيث قال:«التأديب – هو – الضرب والوعيد والتعنيف»، إلا أنه يلحظ على هذا التعريف اقتصاره على أحد جانبي التأديب وهو المعاقبة وتصحيح الانحراف، وعَرَّفه ابن المبْرِد رحمه الله بأنه عبارة عن «الردع بالضرب والزجر».
التأديب والتعزيز
الاتجاه الثاني: تعريف التأديب على أنه مرادف للتعزيز، يفيد معناه، ويحقق مقصود،ه ويُحَصِّلُ المراد منه، فكل واحدٍ منهما بمعنى الآخر، إذ التعزيز هو التأدب، ولذا نرى كثيراً من الفقهاء يطلقون لفظ (التأديب) ويريدون به التعزيز على المعصية التي لا حدَّ فيها ولا كفارة، أو ما يستتبعه من جزاء آخر، مراعاة للقصد في زجر الشخص عن مفاسده واستصلاح تصرفاته، ومن هذه التعريفات التي يصدق عليها هذا الاتجاه، تعريف الماوردي رحمه الله حيث قال:«التعزيز: تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود»، قول ابن حزم رحمه الله عن التعزيز:«وأما سائر المعاصي فإن فيها التعزيز فقط وهو الأدب».
وبإمعان النظر في هذه التعريفات يتبين أن معنى الاصطلاحين (التأديب والتعزيز) متقارب غاية التقارب، إلا أن حقيقة الأمر – فيما يظهر – مختلفة، فالتأديب ليس مرادفاً للتعزيز، بل بينهما عموم وخصوص وجهي، فالتأديب أعم من جهة متعلقة، وأخص من جهة وسائله وطرقه، على العكس من التعزيز.
وتوضيح ذلك أن يقال: إن التأديب يعتبر أوسع دائرة من التعزيز باعتبار تعلقه، حيث إنه يتعلق بتأديب المكلف وغيره، وعلى المعاصي وغيرها، وعليه فالتأديب أعم من التعزيز من هذا الجانب، لكون كل تعزيز تأديباً، وليس كل تأديب تعزيزا، فيجتمعان في الضرب على المعاصي، وينفرد التأديب في الضرب على غير معصية، كضرب الأطفال مثلاً، والسبب في هذا التفريق، هو إطباق الفقهاء على تعريف التعزيز بأنه تأديب وعقوبة على المعاصي، وما لا معصية فيه لا يسمى تعزيزا إلا من باب التجوز.
أما التعزيز فيعتبر أعم من التأديب باعتبار طرقه ووسائله، فكما يكون التعزيز بالضرب والحبس……. يكون بالقتل أيضاً – على القول الصحيح – بخلاف التأديب فإنه لا يكون بالقتل؛ لأن المراد منه الإصلاح والتقويم لا الإهلاك والإتلاف.
المصدر: الملتقى الفقهي.