أبعاد المؤامرة العالميَّة لتنصير العالم الإسلامي 6 من 8
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
عرض نموذج من ردود المفكِّرين الإسلاميِّين على دعاة التَّنصير
نعرض في هذه النقطة ملخَّصًا لأهم ما اشتمل عليه كتاب الدكتور مُحمَّد عمارة-المفكِّر الإسلامي وعضو مجمع الدراسات الإسلاميَّة التابع للأزهر-الذي يحمل عنوان استراتيجيَّة التَّنصير في العالم الإسلامي: بروتوكولات قساوسة التَّنصير (1992)، ويتناول فيه الحملة الغربيَّة التي شُنَّت على الإسلام في تسعينات القرن الماضي، في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي. وما أغرى الدكتور عمارة بإعداد ذلك الكتاب تصريح مجلة شؤون دوليَّة-Foreign Affairs، التابعة للمعهد الملكي للشؤون الدوليَّة بجامعة كامبردج البريطانيَّة، العلني، بأنَّ الإسلام أصبح العدو الجديد للغرب بعد انتهاء أمر الاشتراكيَّة، فاستحقَّ الإسلام بذلك أن يكون الهدف الجديد للهجوم الغربي:
لقد شعر الكثيرون في الغرب بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحلُّ محلّ الاتحاد السوفيِّيتي. وبالنسبة إلى هذا الغرض، فإنَّ الإسلام جاهز في المتناول. فالإسلام مقاوم للعلمنة، وسيطرته على المؤمنين به قويَّة، وهي أقوى الآن ممَّا كانت عليه قبل مائة سنة مضت؛ ولذلك، فهو بين ثقافات الجنوب الهدف المباشر للحملة الغربيَّة الجديدة، ليس لسبب سوى أنَّه الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحدٍّ فعلي وحقيقي للمجتمعات الغربيَّة التي يسودها مذهب اللاأدريَّة وفتور الهمَّة واللامبالاة، وهي آفات من شأنها أن تؤدِّي إلى هلاك تلك المجتمعات ماديًّا، فضلًا عن هلاكها معنويًّا، كما نشرت مجلَّة شؤون دولية، يناير 1990 ميلاديًّا.
ولا شكَّ أنَّ التَّنصير هو أقوى سلاح يُحارب به الإسلام بمحاولة تفكيك قوَّته البشريَّة، وسلْب أبنائه، مع إفساد عقيدته وتنفير الناس من طقوسه. ومن بين استراتيجيَّات الحرب الغربيَّة على الإسلام استراتيجيَّة للتنصير، أُعلنت صراحةً في مؤتمر عُقد لستَّة أيام في ولاية كولورادو الأمريكية عام 1978، وبالمصادفة بدءًا من يوم 15 مايو، يوم تأسيس دولة إسرائيل! واشتملت توصيات ذلك المؤتمر على إطلاق حملة تنصير عالميَّة لاقتلاع الإسلام من جذوره، أملًا في القضاء على دعوته إلى الأبد. أعلن المؤتمر عن مجموعة من البروتوكولات صدرت في كتاب بعنوان The Gospel and Islam-الإنجيل والإسلام (1978)، وقد تُرجم هذا الكتاب إلى العربيَّة في كتاب من ألف صفحة بعنوان التَّنصير: خطَّة لغزو العالم الإسلامي. وتولَّى الدكتور عمارة في هذا الكتاب تلخيص الترجمة العربيَّة في نقاط تشمل كلَّ المحتوى وتفي بما تضمَّنه.
وتعريفًا بمؤتمر التَّنصير الصادرة عنه تلك البروتوكولات، فقد عُقد تحت رعاية مشتركة من لجنة لوزان لتنصير العالم في أمريكا الشماليَّة ومركز التَّنصير العالمي. ولجنة لوزان لتنصير العالم هي لجنة انبثقت عن أعمال المؤتمر الدولي للتنصير لعام 1974 ميلاديًّا، والذي أعُلن فيه لأوَّل مرَّة ميثاق لوزان للتنصير. ويشتمل ميثاق لوزان المذكور على الأساس الديني للعمل التشاركي في مجال التَّبشير والتَّنصير. وشارك في المؤتمر 150 شخصًا، غالبيَّتهم من أمريكا الشماليَّة، وبعضهم من آسيا وإفريقيا، إلى جانب بعض العرب من العاملين في الغرب، أو المبشِّرين في بلادهم.
تروي فيفيان ستيسي-المبشِّرة الأمريكيَّة ومؤسِّسة United Bible Training Centre، أو مركز الكتاب المقدَّس المتَّحد للتدريب-وهي من المشاركين في مؤتمر 1978، أنَّ أبحاث المؤتمر لم تشتمل على ما يتناول علاقة الإسلام بالماركسيَّة، وكأنَّما أراد المؤتمرون أن يبرِّروا سبب تحويل الهجوم على الإسلام بعد أن ينتهي أمر الاتحاد السوفييتي، المتبنِّي للماركسيَّة بشتَّى مفاهيمها. وتضيف ستيسي أنَّ المشاركين شعروا بعدم ارتياح حيال عدم إلمامهم بالأساليب الجديدة التي أعلن عنها منظِّمو المؤتمر لدفع الناس إلى التفكير والتفاعل، بالطبع فيما يتعلَّق بتعاليم الكتاب المقدَّس التي يشجِّع المؤتمر على نشرها. غير أنَّ المنظِّمون تحلُّوا بما يكفي من الصبر لتدريب المبشِّرين على كيفيَّة استخدام الأساليب التَّنصيريَّة الحديثة. وبالطبع، تخلَّل جلسات المؤتمر صلوات شارك فيها مصريُّون ولبنانيُّون وآخرون ممَّن دعوا الربَّ بإخلاص لإنقاذ أرواح المسلمين. وتقول ستيسي “تجلَّى حضور الرُّوح القُدُس معنا في آخر الجلسات الصباحيَّة حينما أبدى المشاركون استعدادهم لأن يستخدمهم الربُّ في أيَّما أراد”. واعتمد تنفيذ التوصيات المستقبليَّة على أربع قوى: 1-الكنيسة والأمَّة؛ 2-التَّنصير ونمو الكنيسة؛ 3-استخدام الإعلام؛ و4-البحث والتدريب في مجال الدراسات اللاهوتيَّة.
يبدأ الدكتور عمارة كتابه (1992) بالتعبير عن رأيه في مساعي الاستعمار الجديد الذي تقوده الولايات المتَّحدة للهيمنة على العالم الإسلامي، ومحو إرادته، وتحويله إلى تابع ذليل ليس من حقِّه ممارسة شعائره الدينيَّة بحريَّة، ولا الاحتفاظ بثرواته. يقول عمارة بالنَّص
إنَّ حال الهيمنة الأمريكيَّة، وقوَّتها المتغطرسة اليوم، مع الاستضعاف العربي والإسلامي الراهن، تكاد أن تجعل القلم يستدعي صورًا من عصر المماليك! فـ ((السلطان الأمريكي)) لا يريد شريكًا ولا بديلًا… وهو يريد من النُّظم ((الحاكمة)) في وطن العروبة وعالم الإسلام أن تقنع بدور، وتقف عن حدود ((الحريم))! … هو يسعى مع تيَّارات الفكر والسياسة، التي سقطت مشروعيَّتها النهضويَّة-مثل الماركسيِّين-أو التي تخاف من المشروع الإسلامي للنهضة-مثل قطاع من العلمانيِّين والليبراليِّين-… إلى القبول بدور ((الطواشي…والخصيان)) في ((حَرَملك)) بعض النظم في وطن العروبة وعالم الإسلام… إنَّه ينزع سلاحنا القتالي، في الوقت الذي يعيد فيه عصر القواعد الأجنبيَّة على أرضنا من جديد…وإذا أعطانا سلاحنا، فهو يحرص تفوُّق قاعدته-إسرائيل-على أوطاننا جمعاء! ثمَّ هو لا يسمح لنا باستخدام هذا السلاح إلَّا في صراعات داخليَّة، يدبِّرها، ويدفع إليها، ويؤجِّج نيرانها. (ص11)
يؤكد الكاتب أنَّ الإسلام هو الذي اتخذته الحضارة الغربيَّة عدوًّا بعد انهيار الماركسيَّة، وهذا يحتاج إلى تأمُّل كبير، فاليهود هم من صنعوا الماركسيَّة، ثم استخدموها لإشعال الحرب العالمية الثانية، أي أنَّها لم تكن إلا وسيلة لتحقيق أهداف خاصة لديهم، ولما أدَّت مهمتها تخلَّصوا منها، وحان دور المواجهة بين اليهود، متمثلين في الفكر الصهيوني، وبين الإسلام، فهذه هي الحرب العالميَّة الثالثة التي يخطط لها زعماء الماسونيَّة لاجتثاث الإسلام، كما يعتقدون، وهي ذاتها الملحمة الكبرى التي أخبر عنها الرسول الكريم.
عمدت الثقافة الغربيَّة قبل القرن العشرين إلى تنحية الدين لإفساح المجال أمام الفكر العلماني، لكنَّها سرعان ما أعادته إلى المركز ليلعب من جديد دورًا محوريًّا في السياسة الدوليَّة. يلفت عمارة إلى أنًّ البعد الديني المسيحي الذي يدفع الغرب إلى مناصبة العداء للإسلام ليس رغبةً في هداية المسلمين إلى الصراط المستقيم والحرص على عدم حرمانهم من النعيم الأبدي، إنَّما هو الخوف من يقظة المسلمين بفضل ما في دينهم من نور وهدى، مخافة أن يؤثِّر ذلك على مستقبل النظام الدولي.
وكان “المؤتمر الإنجيلي الأول حول تنصير العالم” قد عُقد في برلين في عام 1966، في برلين، وأعقب انعقاده عدة مؤتمرات إقليمية ووطنية حول العالم. وفي عام 1974، عُقد في لوزان “المؤتمر العالمي الثاني حول تنصير العالم”، ثم اقترح القس “دون ماكري”، الذي سبق وأن عمل منصِّرًا في باكستان منذ عام 1950 ميلاديًّا والذي دعا إلى إنشاء كنيسة تناسب الحاجات المحلية للبلدان الإسلاميَّة، عقد مؤتمر كولورادو على لجنة التَّنصير في لوزان. وجاء مؤتمر عام 1978 لمراجعة كيفية إسهام كلٍّ منهم بما لديه من خبرات، من أجل توحيد الجهود واستحداث الأنسب لتنفيذ الخطة المتعلقة بتنصير كافة مسلمي العالم.
بدأ القسُّ ستانلي مونيهام-رئيس مؤتمر 1978-حديثه بالتشديد على تميُّز مؤتمر التَّنصير العالمي عن غيره من المؤتمرات، معتبرًا أنَّه قادر على “تغيير مجرى التاريخ…فهذه هي المرَّة الأولى، خلال جيلين، يُعقد فيها مؤتمرٌ يضمُّ هذا العدد من قادة النصارى ليناقشوا عمليَّة تنصير المسلمين“. أقرَّ مونيهام بأنَّ مواجهة الإسلام بالطرق القديمة لم يكن ممكنًا بسبب التغير المتواصل الذي يطرأ عليه، وبخشيته من ثورة المسلمين بسبب رفضهم للعلمنة. ويرجع السبب في تصعيد حركة التَّنصير في العالم الإسلامي إلى تصاعُد الصحوة الدينيَّة في العالم الإسلامي، ومن المفارقة أنَّ في العام التالي للمؤتمر وقعت حادثة ادِّعاء ظهور المهدي، المعروفة بحادثة الحرم المكِّي، أو حادثة جهيمان.
اتَّفق قساوسة التَّنصير على أنَّ الإسلام منذ ظهوره قبل ما يقرب من 1500 عام يمثِّل تحديًا للمسيحية، واعترفوا بفشل الحملات الصليبية في القرون الوسطى في القضاء على الإسلام واستعادة البقاع التي صارت تحت وطأته، وأصبحت خطتهم الجديدة هي وراثة الإسلام وأهله جميعًا، وفق ما ورد في سفر المزامير في العهد القديم ” اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ” (مزمور 2: آية 8). لم يخفِ المؤتمرون إيمانهم برؤيا يوحنا اللاهوتي بشأن عودة المسيح ليحكم العالم من جديد ألف عام، وبأنَّ تلك العودة باتت وشيكة، فأخذوا على عاتقهم مهمة الشروع في تنصير العالم استعدادًا لتلك العودة. ودعا المؤتمر إلى تضافُر جهود الإرساليَّات الأمريكيَّة مع الكنائس المحليَّة في سبيل تنفيذ المخطط، ولعلَّ في هذا ما يفسِّر صعود عدد الكنائس القبطيَّة في أمريكا من 2 إلى 252 منذ مطلع السبعينات وحتى عام 2012، بالطبع من أجل التنسيق بين الكنائس المحليَّة وقيادات التَّنصير داخل أمريكا. تحقيق رؤيا يوحنا اللاهوتي وعودة المسيح استدعت خلق ديانة جديدة تجمع بين اليهوديَّة والنصرانيَّة، وهذا يشير إلى تضافُر الجهود بين الطرفين لاقتلاع الإسلام وإهلاك جميع المسلمين والعرب في الملحمة الكبرى، تحقيقًا لنبوءة يوحنَّا اللاهوتي، وحينها سينزل المسيح، وفق اعتقادهم.
اعتبر القساوسة أنَّ التَّنصير لم يعد ممكنًا من خلال الهجوم على القرآن الكريم، إنما من خلال حُفاظِّه، أي باستخدام من ينتسبون زورًا إلى الإسلام في الترويج إلى أفكار لا تمت له بصلة لزعزعة الثوابت والفتك بالمسلَّمات، وهذا ينطبق عليه نصُّ حديث رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلَّم) برواية الصحابي حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه وأرضاه) “يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ , مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا “، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَ، قَالَ : ” هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا“، وصدق قول الرسول الكريم. ودعا القساوسة إلى اكتشاف المصطلحات القرآنيَّة التي يمكن أن تكون جسرًا يعبر من خلاله المبشِّرون إلى المسلمين، أي إيجاد أرضيَّة مشتركة، مثل استخدام أوصاف مثل “روح الله” و”كلمة الله”، بالإضافة إلى اللعب على وتر “رفع المسيح”، مع تجنُّب الخوض في مسألة صلبه المنافية للعقيدة الإسلاميَّة.
اعترف القساوسة بأنًّ هدفهم الأهم ليس متَّبعي الكتاب والسُنَّة، إنما ضعاف النفوس من المؤمنين بالجن، ويجدون في اتِّباع المسيح وسيلة للتخلص من مطاردات الأرواح الخبيثة، مشيرين إلى نجاح تلك التجربة مع مسلمي إندونيسيا، كما اعترف منظِّم المؤتمر بأنَّ نظرة التعالي والتفوق العرقي حيال المسلمين العرب قد أسفرت عن فشل جهود التَّبشير، خاصة وأنَّ الزهو بالثقافة الغربيَّة يثير الامتعاض؛ والسبب هو أنَّ تلك الثقافة مليئة بالتناقضات. ويسعى قساوسة التَّنصير، في سبيل الهروب من النبذ الذي يواجه المتنصرين حديثًا، إلى تغليف المحتوى النصراني بغلاف إسلامي، للإبقاء على المتنصِّرين في الثقافة الإسلاميَّة، ليتحللوا منها بالتدريج. وتشترط أبحاث المؤتمر فهم الإسلام فهمًا صحيحًا قبل اختراقه بالأساليب المناسبة، وهذا استوجب تأسيس العديد من المراكز المتخصصة في ذلك، مستغلين بذلك الثغرات الداخليَّة المختلفة بين المسلمين، سواء مذهبيَّة أو عرقيَّة أو قوميَّة أو طبقيَّة، وأيضًا الثغرات الخارجيَّة، مثل ثغرة تقليد الغرب، وثغرة العلمانيَّة. إلى جانب الثغرات السابق ذكرها، دعا القساوسة إلى دراسة مواطن القوة والمنعة والاستعصاء في الإسلام، إمِّا للالتفاف حولها وتجنُّبها، أو لمحاولة كسر شوكتها. باختصار، كما وضع بولس الرَّسول مضامين النصرانيَّة في أوعية إغريقيَّة وثنيَّة، يسعى هؤلاء إلى وضع نفس المضامين في أوعية إسلاميَّة لإفساد الإسلام. ومن أمثل ذلك الدعوة إلى صلاة نصرانيَّة فيها ركوع وسجود على الطريقة الإسلاميَّة. من الملفت أنَّ القسَّ الكاثوليكي اللبناني عبدو رعد قد رفع الآذان في معلم لحزب الله جنوبي لبنان، وفق ما نقلته شبكة سي إن إن الإخباريَّة. وقد اعتذر القسُّ لآبائه الروحيِّين، موضحًا أنَّه “قام بتلاوة الآذان بشكل عفوي ومن دون أي قصد، ومن غير قناعة”.
وأوصى المؤتمر اختراق الثقافة الإسلاميَّة، وزرع النصرانيَّة في أوعيتها ومصطلحاتها ورموزها وأنماطها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها، وبذلك لا يجد المرتد عن الإسلام غربة في تعامله مع الثقافة الجديدة، ويتراجع التركيز على الثقافة الإسلاميَّة مع ازدياد المحتوى المسيحي لدى المرتد. كما أعلن المنظِّمون أنَّ هدفهم هو غرس روح المسيح وتعاليمه في الفكر الإسلامي، بحيث يصبح ما يسمونه بالمسلم النصراني، واللاهوت الإسلامي، والمسجد العيسوي، والجماعات الصوفيَّة النصرانيَّة. والإيمان بالتعاويذ التي تمدُّ بالقوة من أهم السمات الواجب توفُّرها في المستهدفين من عمليات التَّنصير. ويضمن هذا التحول التدريجي عن الإسلام عدم التراجع عن اعتناق المسيحية.
يتطرَّق الدكتور عمارة في كتابه إلى مسألة في غاية الحساسيَّة، وهي استخدام المال في عمليَّة التَّنصير بالترغيب والترهيب معًا، تجدر الإشارة إلى أنَّ أحد أبحاث ذلك المؤتمر كان تحت عنوان “الغذاء والصحة وسائل لتنصير المسلمين“. ويشير الكاتب إلى استغلال الأجانب وجودهم للعمل في بلدان مسلمة في بناء كنائس تدعو إلى عقيدتهم، ومن هنا تبدأ الرحلة التَّبشيرية لتتغلغل في أحشاء البلدان، فعملهم المدني يمنحهم من الحريَّة في التعامل مع سائر القطاعات ما لا يُمنح للمبشِّر المتخصص، وهذه النماذج موجودة وبكثرة في بلدان الخليج العربي في المستشفيات والمدارس. وتوصي البروتوكولات بافتعال أزمات حادة تُجبر المسلمين على الكُفر بدينهم والاحتماء بالمسيحيَّة، ومن أبرز تلك الأزمات الفقر والمرض والحروب والكوارث، فلا يجد المنكوبون سوى المؤسَّسات الطبيَّة والخدميَّة للمبشِّرين ملجأً. ويذكِّرنا هذا بقوله تعالى “هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا على مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حتى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ولكنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ” (سورة المنافقون: آية 7)، وقد فسَّر ابن عباس (رضي الله عنه وأرضاه) تلك الآية بقوله أنَّ قصدهم هو: لا تطعموا محمدًا وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة، فيتركوا دينهم ويتخلُّوا عن نبيِّهم.
يعتبر هؤلاء أنَّ الرخاء من معوقات التَّنصير، وأنَّ الأزمات المفتعلة من العوامل والأوضاع الممهدة لحملات التَّنصير، وهذا نراه بأعيننا من حولنا في بلداننا الإسلامية في الفترة الأخيرة، فالحروب تجتاح عدة بلدان، أمَّا الأزمات الاقتصادية الطاحنة فهي تتعاقب على العالم الإسلامي كلِّه، وإن كان ما حدث في مصر قبيل نهاية عام 2016 من أحدث تلك الأزمات، وينطبق على ذلك قوله تعالى في الآية 120 من سورة آل عمران ” إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ”. يتساءل الكاتب مستنكرًا: من الذي يُنكر مسؤوليَّة حضارة هؤلاء القساوسة عن البؤس والضيم الذي يعيش فيه المسلمون؟ عن النهب الاقتصادي والهيمنة السياسيَّة وحراسة التخلف في بلادنا؟ عن صناعة نُظم الحكم المحليَّة التي تكرِّس التبعية الاقتصاديَّة للغرب؟ فتبقى أرضنا البكر بورًا، وثرواتنا منهوبة بأدنى الأثمان، وسلاحنا منزوعًا، العلم النافع محجوبًا، فنعيش في البؤس الاقتصادي الذي صنعوه، ثم بدأوا يستغلونه في إجبارنا على ترك ديننا؟!
المصدر: رسالة بوست